الاستقبال.
فان قلت : قد اطّرد العرف على أنّ من انشأ كلاما بكتابة يسمّى متكلّما وينسب إليه ذلك الكلام بانّه قوله وكلامه ـ كما / ٢٢١ DA / يقال : قال : الشافعى كذا وكذا ، و: ابو حنيفة كذا ـ ؛ وانّما ينسب إليهم هذه الأقوال بأنّهم كتبوه ، فلم لا يجوز أن يكون كلام الله ـ تعالى ـ من هذا القبيل ـ كما يقول المعتزلة ـ؟ ، فيكون نسبته إليه ـ تعالى ـ بسبب أنّه كتب في الألواح المحفوظة أو أوجده في لسان الملك أو الرسول.
قلت : أمّا أوّلا فلأنّ من لم يقدّر على تأليف الكلمات في النفس لا يسمّى متكلّما وإن أوجد النقوش ، وكذلك من علم أنّه ليس له قصد إلى تلك الألفاظ والحروف لا يسمّى متكلّما ، ونسبة القول إلى من كتب شيئا من الكلام بسبب اعتقاد أنّه دالّ على كلامه النفسي حتّى لو علم أنّه ليس له الكلام النفسي لم يسمّ متكلّما أصلا ، كما لو فرضنا أنّه صدر هذه النقوش عن غير الانسان ؛
وأمّا ثانيا : فلأنّ النصوص السمعية دالّة على اثبات صفة الكلام له ـ تعالى ـ ، وظواهر تلك النصوص انّها صفة مغايرة لسائر الصفات ـ كالعلم والقدرة والإرادة ـ ، والقول بما قاله المعتزلة يؤدّي إلى أن لا يكون الكلام صفة اخرى بل راجعة إلى القدرة على خلق الكلمات في محالّها ، والتجاوز عن الظاهر من غير ضرورة مستنكر!. على أنّه لا يمكن الدلالة على نفي الكلام النفسي ، ولو نفوه لزم القدح في كونه متكلّما بالمعنى العرفي. وبعد ثبوت الكلام النفسي يتمّ ما ذكرناه / ٢١٩ MB / من تحقيق مذهب الأشعري من غير خلل ؛ انتهى.
قال بعض المشاهير : وأنت إذا تأمّلت فيهما علمت انّهما راجعان إلى مذهب من قال : « إنّ كلامه ـ تعالى ـ القديم هو العلم الإجمالي بالكلام مع ضميمة التوجّه إلى المخاطب المقدّر ـ كما مرّ الاشارة إليه ـ » ؛ وأنت قد عرفت أنّ كلام صاحب المواقف ليس راجعا إلى العلم الإجمالي.
وامّا كلام هذا المحقّق فظاهره أنّ صفة التكلّم له ـ تعالى ـ عبارة عن قوّة الالقاء والقدرة على تأليف الكلمات ، وهذا هو التكلّم الحقيقي وهو حقّ نقول به ـ كما مرّ