بالاستعاذة ، وعليه انعقد اجماع السلف وأكثر الخلف.
ومنها : إنّ ما اشتهر وثبت بالنص والاجماع من خواصّ القرآن انّما يصدق على هذا المؤلّف الحادث لا المعنى القديم ، وتلك الخواصّ كونه ذكرا ـ لقوله تعالى : ( وَهذا ذِكْرٌ مُبارَكٌ ) (١) ـ ؛ عربيّا ـ لقوله ـ تعالى ـ : ( إِنَّا أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا ) (٢) ـ ؛ ومنزلا على النبيّ ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ بشهادة النصّ من تلك الآية وأمثالها واجماع الأمّة ؛ ومقروء بالالسن للاجماع ؛ ومسموعا / ٢٠٩ DA / بالاذان للاجماع ولقوله ـ تعالى ـ : ( حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللهِ ) (٣) ؛ ومقرونا بالتحدّي لكونه معجزا اجماعا ؛ ومفصّلا إلى السور والآيات ـ لقوله تعالى : ( كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ ) (٤) ـ ؛ وقابلا للنسخ ؛ وهو من آيات الحدوث ، لانّه إمّا رفع أو انتهاء وشيء منها لا يتصوّر في القديم ، لأنّ ما ثبت قدمه امتنع عدمه ؛ وواردا عقيب إرادة التكوين ـ لقوله تعالى : ( إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ) (٥) ، إذ معناه : انّا إذا أردنا شيئا قلنا له كن فيكون ، قوله « كن » أمر وهو قسم من كلامه ـ تعالى ـ متأخّر عن الإرادة الواقعة في الاستقبال ـ لكونه جزء له ـ ، فيكون حادثا ـ.
فان قيل : وقوع كلمة « كن » عقيب إرادة تكوين الأشياء على ما يقتضيه كلمة الجزاء وإن دلّ على حدوثها لكن عموم لفظ شيء حيث وقع في سياق النفي يقتضي قدمها ، إذ لو كانت حادثة لكانت واقعة بكلمة « كن » آخر سابقة وتسلسلت.
وإن جعل هذا الكلام مجازا ـ كما قال البيضاوي : « إنّه تمثيل لتأثير قدرته في مراده بامر المطاع للمطيع في حصول المامور من غير امتناع وتوقّف وافتقار إلى مزاولة عمل واستعمال آلة قطعا لمادّة الشبهة وهو قياس قدرة الله على قدرة العبد » (٦) ـ فلا يكون له دلالة على حدوث كلمة كن ؛
__________________
(١) كريمة ٥٠ ، الأنبياء.
(٢) كريمة ٤ ، يوسف.
(٣) كريمة ٦ ، التوبة.
(٤) كريمة ١ ، هود.
(٥) كريمة ٤٠ ، النحل.
(٦) ما وجدت العبارة في البيضاوي. وانظر : نفس التفسير ، ص ٣٥٦ ، ذيل هذه الكريمة.