الصورتين يلزم الاستكمال ، ويلزم أيضا التفات العالي إلى السافل ؛ والحكماء لا يقولون به.
والجواب عنه هو ما ظهر من كلام الشيخ في العبارة المنقولة عنه ، وحاصل الجواب : أنّ الممكنات المعلولة له الصادرة عنه لمّا كانت من لوازم ذاته ورشحات فيضه فرضاه وابتهاجه بها انّما هو لأجل كونها لوازم ذاته لا لأجل انفسها حتّى يلزم استكماله بها ، فانّه لمّا علم ذاته الّذي هو أجلّ الأشياء بأجلّ علم يكون مبتهجا بذاته اشدّ الابتهاج ، ومن ابتهج بشيء ابتهج بجميع ما يصدر عن ذلك الشيء من اجل أنّه يصدر عن ذلك الشيء ؛ فالواجب ـ تعالى ـ لا يريد الأشياء لا لأجل ذواتها من حيث ذواتها ، بل لأجل أنّها صدرت من ذاته ـ تعالى ـ. فالغاية بهذا المعنى في الايجاد نفس ذاته ـ تعالى ـ ، وكلّ ما كان فاعليته لشيء على هذا السبيل يكون فاعلا وغاية معا لذلك الشيء. وما قالوا من أنّ العالي لا يلتفت إلى السافل ولا يريده في فعله وإلاّ لزم أن يكون مستكملا به ـ لكون وجوده أولى له من عدمه والعلّة لا يستكمل بالمعلول ـ ، لا ينافي ذلك ؛ إذ المراد من الإرادة والالتفات المنفيين عن العالي بالقياس إلى السافل هو ما يكون بالذات لا بالعرض ، فلو أحبّ واجب الوجود مفعوله وأراده لأجل كونه أثرا من آثار ذاته ورشحا من رشحات فيضه وجوده لا يلزم أن يكون وجوده له بهجة وخيرا ، بل بهجته انّما هي بما هو محبوب بالذات ـ وهو ذاته المتعالية الّتي كلّ جمال وكمال رشح وفيض من جماله وكماله ـ. فلا يلزم من حبه ـ تعالى ـ وإرادته له استكماله بغيره ، لأنّ المحبوب والمراد بالحقيقة نفس ذاته ، كما انّك إذا أحببت انسانا فتحبّ آثاره لكان المحبوب لك بالحقيقة ذلك الانسان. قال الشيخ في التعليقات : « ولو أنّ انسانا عرف الكمال الّذي هو حقيقة واجب الوجود ثمّ / ١٩٩ DB / كان ينظم الأمور الّتي بعده على مثاله حتّى كانت الأمور على غاية النظام لكان غرضه بالحقيقة واجب الوجود بذاته ـ الّذي هو الكمال ـ ، فان كان واجب الوجود بذاته هو الفاعل فهو أيضا الغاية والغرض » (١) ؛ انتهى.
قيل : ومن هاهنا يظهر حقيقة ما قيل : لو لا العشق ما يوجد سماء ولا أرض ولا بحر
__________________
(١) راجع : التعليقات ، ص ١٨.