فاخترت الثاني ؛
فقال : كلّ صورة في النفس هي كلّية وإن تركّبت من كلّيات كثيرة ، فهي لا يمنع الشركة لنفسها ، وأنت تدرك ذاتك وهي مانعة للشركة بذاتها فليس هذا الادراك بالصور ؛
قلت : لعلّ المدرك في مفهوم « أنا » ؛
فقال : مفهوم « أنا » من حيث هو مفهوم « أنا » لا يمنع وقوع الشركة فيه ، وقد علمت انّ الجزئي من حيث هو جزئي يمنع وقوع الشركة فيه ، فهو لا يكون كلّيا مع أنّ « هذا » و « انا » و « نحن » و « هو » لها معان كلّية من حيث مفهوماتها المجرّدة من دون اشارة جزئية ؛
فقلت : فكيف اذن؟ ؛
فقال : فلمّا لم يكن علمك بذاتك غير ذاتك ـ بل كان عين ذاتك ـ فأنت تعلم أنت المدرك لذاتك لا غير ولا تأثير غير مطابق ، فذاتك هي العقل والعاقل والمعقول.
فقلت : زدنى! ؛
فقال : ألست تدرك بذلك الّذي تتصرّف فيه إدراكا مستمرّا لا تغيب عنه؟ ؛
فقلت : بلى! ؛
فقال : هذا الادراك لا يجوز أن يكون بحصول صورة شخصية في ذاتك ـ لما تقدّم من استحالته ـ ؛
فقلت : لعلّ يكون هذا الادراك بأحد صفات كلّية ؛
فقال : ذاتك غير بدنك الخاصّ وأنت بذاتك تعرف بدنا خاصّا جزئيا وما أحدث من الشعور والصفات لا يمنع لنفسها وقوع الشركة فيها ، فليس ادراكك لها إدراكا لبدنك الّذي لا يتصوّر أن يكون مفهومه ثابتا لغيره.
ثمّ قال أما قرأت من كتبنا انّ النفس يتفكّر باستخدام المتفكّرة وهي تفصّل وتركّب الجزئيات وترتّب الحدود الوسطى ، والمتخيلة لا سبيل لها إلى ادراك الكلّيات لأنّها جزئية ، فان لم يكن للنفس اطّلاع على الجزئيات فكيف تركّب مقدّماتها؟! ، وكيف ينتزع الجزئيات من الكليّات؟! ، وفي أيّ شيء يستعمل المفكّرة؟! ، وكيف يأخذ الخيال؟! ، و