حين قال لهم : « ألست بربّكم قالوا بلى » ، ثم سكت ساعة ثم قال : وإن المؤمنين ليرونه في الدنيا قبل يوم القيامة ، ألست تراه في وقتك هذا؟ قال أبو بصير : فقلت له : جعلت فداك ، فأحدّث بهذا عنك؟ فقال : لا فإنك إذا حدّثت به فأنكره منكر جاهل بمعنى ما تقوله ، ثم قدّر أن ذلك تشبيه وكفر. وليست الرؤية بالقلب كالرؤية بالعين ، تعالى الله عمّا يصفه المشبّهون والملحدون (١).
وفي مناجاة علي والأئمّة من ولده صلوات الله عليهم في شهر شعبان : وأنر أبصار قلوبنا بضياء نظرها إليك ، حتى تخرق أبصار القلوب حجب النور فتصل إلى معدن العظمة ، وتصير أرواحنا معلّقة بعزّ قدسك (٢).
وفي دعاء عرفة للحسين بن علي صلوات الله عليهما : إلهي تردّدي في الآثار يوجب بعد المزار ، فاجمعني عليك بخدمة توصلني إليك ... إلهي هذا ذلّي ظاهر بين يديك ، وهذا حالي لا يخفى عليك ، منك أطلب الوصول إليك ، وبك أستدلّ عليك. فاهدني بنورك إليك ... إلهي حقّقني بحقائق أهل القرب ، واسلك بي مسلك أهل الجذب ... أنت الذي أزلت الأغيار عن قلوب أحبّائك حتى لم يحبّوا سواك ولم يلجئوا إلى غيرك ، أنت المؤنس لهم حيث أوحشتهم العوالم ، وأنت الذي هديتهم حيث استبانت لهم المعالم ، ما ذا وجد من فقدك؟! وما الذي فقد من وجدك؟! لقد خاب من رضي دونك بدلا ، ولقد خسر من بغى عنك متحوّلا ... يا من أذاق أحباءه حلاوة المؤانسة فقاموا بين يديه متملّقين ... أنت الذاكر قبل الذاكرين ، وأنت البادئ بالإحسان قبل توجّه العابدين ، إلهي اطلبني برحمتك حتى أصل إليك ، واجذبني بمنّك حتى أقبل إليك (٣).
فإنّه تعالى قد يتجلّى بصفة الرحمة ، وقد يتجلّى بصفة القهر ، وهكذا ، وتختلف حالات العبد باختلاف تلك التجلّيات.
وستجيء الروايات الكثيرة الدالّة على ما ذكرنا ، وفي بعضها التعبير عن هذا
__________________
(١) البحار ٤ : ٤٤ ، عن التوحيد.
(٢) البحار ٩٤ : ٩٩ ، عن الإقبال.
(٣) البحار ٩٨ : ٢٢٥ ، عن بعض نسخ الإقبال.