كلّ شيء ومع كلّ شيء ، وجميع المعلومات من كلّ ما سواه في الإمكان ، وهو تعالى في أزل الآزال وحده ، وهو الآن على ما كان ، ومع ذلك لا يحويه مكان ، ولا يخلو منه مكان ، ولا يعلم أحد كيف ذلك إلاّ هو سبحانه ، ومن اعتقد غير ذلك فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين.
ومن ذلك أنّه سبحانه خالق كلّ شيء قال الله تعالى : ( قُلِ اللهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْواحِدُ الْقَهَّارُ ) (١) ، وأمّا أفعال العباد الاختياريّة ففيها الخلاف بين علماء المسلمين ، وكلّ من اعتقد أنّ أحدا غير الله خالق لشيء من السماوات والأرض ، أو ممّا فيها ، أو رازق لشيء ممّا فيها فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين.
نعم ، قد يطلق هذان مجازا كما قال تعالى : ( فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ ) (٢) ، وقال تعالى : ( وَاللهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ) (٣).
وما يعترض به بعض من ليس له أنس بالفنّ ولا باصطلاح أهله بأنّي قلت : إنّهم عليهمالسلام العلّة الفاعليّة ، فمرادي أنّهم محالّ مشيئة الله ، بمعنى أنّ الله سبحانه أطلعهم على خلق ما خلق ، فوجودهم شرط لإيجاد غيرهم ؛ لأنّهم الوسائط من الله ومن خلقه وإن كان تعالى قادرا على الإيجاد بدون توسّط الأسباب والآلات إلاّ أنّه عزّ وجلّ جرت عادته أن يجري الأشياء على ترتّب أسبابها (٤) ليعرف العباد الدليل والاستدلال على معرفة ما يريد منهم ، على نمط قوله تعالى : ( يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ ) (٥). فإنّه تعالى إنّما يخلق على العلل ليعرّف لعباده كلّ شيء
__________________
(١) الرعد (١٣) : ١٦.
(٢) المؤمنون (٢٣) : ١٤.
(٣) الجمعة (٦٢) : ١١.
(٤) إشارة إلى الحديث الشريف القائل : « أبى الله أن يجري الأشياء إلاّ بأسباب ». « الكافي » ١ : ١٨٣ ، باب معرفة الإمام والردّ عليه ، ح ٧.
(٥) الحجّ (٢٢) : ٥.