وعلى هذا فيكون المراد من حدوث إرادته هو حدوث مراده تعالى حسب اقتضاء علمه تعالى بالمصلحة فيه.
وممّا يدلّ صريحا على ما ذكرنا : ما رواه في الكافي عن هشام بن الحكم ، عن أبي عبد الله عليهالسلام في حديث الزنديق الذي سأل أبا عبد الله عليهالسلام فكان من سؤاله أن قال له : فله رضا وسخط؟ فقال أبو عبد الله عليهالسلام : نعم ، ولكن ليس ذلك على ما يوجد من المخلوقين ، وذلك أنّ الرضا حال يدخل عليه ، فينقله من حال إلى حال ؛ لأنّ المخلوق أجوف معتمل مركّب ، للأشياء فيه مدخل ، وخالقنا لا مدخل للأشياء فيه ؛ لأنّه أحديّ الذات وأحديّ المعنى ، فرضاه ثوابه ، وسخطه عقابه ، من غير شيء يتداخله ، فيهيجه وينقله من حال إلى حال ؛ لأنّ ذلك من صفة المخلوقين العاجزين المحتاجين (١).
هذا كلامه صلوات الله عليه وسلامه.
ونعم ما قال بعض (٢) أفاضل إخواننا الإلهيين ـ كثّر الله أمثاله في العالمين ـ في هذا المقام ما محصّله أنّ التحقيق أنّ للإرادة والمشيئة جهة ثبات هي أزليّة وعين ذاته تعالى ، وجهة تجدّد هي إضافة حادثة مع حدوث المشيء والمراد ، كما أنّ العلم والقدرة كذلك إلاّ أنّ جهة الثبات في العلم والقدرة أدلّ على الكمال والبهاء ؛ حيث يوجب (٣) تخلّف متعلّقيهما عنهما تحقّق العلم والقدرة وإن لم يكن المقدور والمعلوم ، وذلك ممّا يعدّ غاية في كمال العلم والقدرة جدّا.
فلذلك عدّتا من صفات الذات ، وجهة التجدّد في المشيئة والإرادة أدلّ على العزّ والجلال ؛ حيث يوجب عدم تخلّف المشيء والمراد عنهما ، وذلك ممّا يعدّ في غاية
__________________
(١) « الكافي » ١ : ١١٠ باب الإرادة أنّها من صفات الفعل ... ، ح ٦.
(٢) في هامش « ب » : وهو مولانا محمّد محسن صاحب كتاب الوافي سلّمه الله من العاهات. منه رحمهالله.
انظر « الوافي » ١ : ٤٤٦ ـ ٤٤٨ و ٤٥٨.
(٣) في « ب » : « يوجد ».