« الشمس والقمر ثوران مكوّران (١) في النار يوم القيامة ». فقال الحسن : وما ذنبهما؟ فقال : أحدّثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : فسكت الحسن (٢).
__________________
(١) قال ابن الأثير في النهاية ( ٤ / ١٠٨ ) : أي يلفّان ويجمعان ويلقيان فيها ، كأنهما يمسخان.
(٢) أخرجه البخاري في صحيحه مختصرا كتاب بدء الخلق : باب صفة الشمس والقمر بحسبان. قال : حدّثنا مسدد ، حدّثنا عبد العزيز بن المختار فذكره.
والحديث أخرجه البزار قال : حدّثنا إبراهيم بن زياد البغدادي ، حدّثنا يونس بن محمد عن عبد العزيز بن المختار عن عبد الله الداناج قال : سمعت أبا سلمة يحدّث في زمن خالد القسري في هذا المسجد مسجد الكوفة وجاء الحسن فجلس إليه فقال أبو سلمة : حدّثنا أبو هريرة فذكره وقال : لا يروى عن أبي هريرة إلا من هذا الوجه ، ولم يرو عبد الله بن الداناج عن أبي سلمة سوى هذا الحديث.
وأخرجه الإسماعيلي وقال فيه في مسجد البصرة ولم يقل خالد القسري.
وأخرجه الخطابي من طريق يونس فقال : في زمن خالد بن عبد الله أي ابن أسيد.
وأخرجه الطحاوي في مشكل الآثار ( ١ / ٦٦ ـ ٦٧ ). من طريق محمد بن خزيمة عن معلى بن أسد العمّي عن عبد العزيز بن المختار.
قال الطحاوي : فكان ما كان من الحسن في هذا الباب إنكارا على أبي سلمة إنما كان والله أعلم لما وقع في قلبه أنهما يلقيان في النار ليعذبا بذلك ، فلم ينكر من أبي سلمة أن الشمس والقمر إنما يكوّران في النار كسائر ملائكة الله ( أي لزيادة عذاب أهل النار مع تعذيب الملائكة لهم ) الذين يعذّبون أهلها ، ألا ترى قوله تعالى : ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ ناراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ عَلَيْها مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدادٌ لا يَعْصُونَ اللهَ ) [ سورة التحريم الآية : ٦ ] أي من تعذيب أهل النار ( وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ ) وكذلك الشمس والقمر مما فيهما بهذه المنزلة معذّبان لأهل النار بذنوبهم ، لا معذّبان فيها إذ لا ذنوب لهما.
وقال الطحاوي : وقد روي أنهما عقيران ، ومعنى العقر الذي ذكر أنه لهما في هذا الحديث عند أهل العلم باللغة لم يرد به العقر لهما عقوبة لهما إذ كان ذلك لا يجوز فيهما إذ كانا في الدنيا من عباده أيضا على ما ذكرهما به في كتابه بقوله : ( أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ ) [ سورة الحج الآية : ١٨ ] وذكر معهما من ذكر في هذه الآية حتى أتى على قوله تعالى : ( وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذابُ ) أخبر أن عذابه إنما يحقّ على غير من كان يسجد له في الدنيا ، ولكنهما كانا في الدنيا يسجدان في الفلك الذي كانا يسبحان فيه كما قال تعالى : ( لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ ) [ سورة يس الآية : ٤٠ ] ثم عادهما يوم القيام موكلين في النار كغيرهما من ملائكته الموكلين بها فقطعهما بذلك عمّا كانا فيه من الدنيا من السحاء فعادا بانقطاعهما عن ذلك كالزمنين بالعقر ، فقيل لهما عقيران على استعارة هذا الاسم لهما لا على حلول عقر بهما.
والله نسأله التوفيق.
وقال الخطابي : ليس المراد بكونهما في النار تعذيبهما بذلك ، ولكنه تبكيت لمن كان يعبدهما في الدنيا ليعلموا أن عبادتهم لهما كانت باطلة ، وقيل إنهما خلقا من النار فأعيدا إليها.
وقال الإسماعيلي : لا يلزم من جعلهما في النار تعذيبهما فإن لله في النار ملائكة وحجارة وغيرها لتكون لأهل النار عذابا وآلة من آلات العذاب وما شاء الله من ذلك ، فلا تكون هي معذّبة.
وقال أبو موسى المديني في غريب الحديث : لمّا وصفا بأنهما يسبحان في قوله تعالى : ( كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ )