كانت الصالحية ـ القائمة على سفوح جبل قاسيون ، المطلّة على دمشق ـ مثابة علم ، مذ هاجر إليها المقادسة في القرن السادس الهجري ، فرارا بدينهم من الصليبيّين. فعجّت بالعلماء والفقهاء والمحدثين والصالحين ، وتناثرت في جنباتها دور الحديث والمدارس والخوانق والرباطات والزوايا والمساجد والجوامع ، وظلّت مركزا علميّا للحنابلة والمحدّثين ، رغم ما أصابها ، في فترات متباعدة ، من مصائب التتار والمغول والمماليك المصريّين (١).
ففي الصالحية ، وبالقرب من مدرسة شيخ الحنابلة أبي عمر (٢) ، ولد محمد بن عليّ بن طولون ، في أوائل سنة ثمان مائة وثمانين. وكان العهد المملوكي يكاد يقترب من نهايته وقد بلغ في الشام من الانحطاط والفساد في الحكم والادارة والعلم الكثير (٣).
كان خمارويه بن طولون جدّه من الأتراك. وكانت أمّه أزدان رومية تحسن لسان الأروام. وقد كانت عند آخر قبل أبيه. أمّا أبوه فلا
__________________
(١) أحسن ما كتب عن تاريخ الصالحية هو الذي ألفه ابن طولون وسماه « القلائد الجوهرية ».
(٢) انظر عنها : النعيمي ، الدارس ٢ : ١٠٠.
(٣) أحسن ما يدل على هذا الانحطاط كتاب ابن طولون المسمى « اعلام الورى بمن ولّي نائبا بدمشق الشام الكبرى » وما يزال مخطوطا.