بل عن جماعة من أهل العربية منهم ابن هشام أنها كذلك لغة ، وحكاه في المغني عن سيبويه ، بل قال : نازع السهيلي وغيره في المحكي عن ابن عباس وغيره في الآية (١) متمسكين بأن الاستفهام التقريري خبر موجب ، وكذلك منع سيبويه من جعل « أم » متصلة في قوله تعالى (٢) ( أَفَلا تُبْصِرُونَ. أَمْ أَنَا خَيْرٌ ) لأنها تقع بعد الإيجاب ، وإذا ثبت أن الاستفهام التقريري إيجاب فنعم بعده تصديق له ، واستشهد على ورودها لغة في جواب الاستفهام التقريري بقول الأنصار للنبي صلىاللهعليهوآله وقد قال لهم : « ألستم ترون ذلك لهم » : « نعم » وبقول الشاعر :
أليس الليل يجمع أم عمرو |
|
وإيانا فذاك بنا تداني |
نعم وأرى الهلال كما تراه |
|
ويعلوها النهار كما علاني |
وفي المسالك « وحينئذ فالحكم بكونه إقرارا قوي وعليه أكثر المتأخرين ».
قلت : لا يخفى عليك أن أقصى ما في هذه الشواهد صحة قيام « نعم » مقام « بلى » في إفادة الإثبات ، وهو لا يجدي في الحكم بكون ذلك إقرارا ، نعم لو ثبت أنها في العرف كذلك على وجه لا يراد منها التصديق ولو استعملت فيه كانت مجازا نحو « بلى » ترتب عليها حكم الإقرار ، وهو وإن كان ظاهر الابى في كشف الرموز لكن دون ثبوته خرط القتاد ، ولا أقل من الشك ، والأصل عدم الإقرار.
بقي الكلام في شيء وهو أن ظاهر ترتب حكم الإقرار على الدلالات اللفظية وإن كانت ظنية ، من غير فرق في ذلك بين الحقائق والمجازات ، واحتمال قصره على الأول لا دليل عليه ، ضرورة عموم الدليل الدال على الحجية من غير فرق بين الإقرار وغيره ، وما اشتهر بين الأصحاب من أن القاعدة في الإقرار الاقتصار على
_________________
(١) سورة الأعراف : ٧ ـ الآية ١٧٢.
(٢) سورة الزخرف : ٤٣ ـ الآية ٥١ و ٥٢.