عنان السماء ، وأنّ أغصانها نور في نور وإذا أنا بقوم بيض الوجوه وإذا القوم متعلّقون بها من لدن ظهري الى السماء الدنيا. فلمّا انتبهت أتيت كهنة قريش فأخبرتهم بذلك.
قالوا : إن صدقت رؤياك فقد صرف إليك العزّ والكرم والشرف ، وقد خصصت بحسب وسؤدد لم يخصّ به أحد من العالمين. فأعطاه الله عزّ وجلّ ذلك ، وذلك حين نظر الله عزّ وجلّ نظرته الى الأرض فقال للملائكة : انظروا من ترون أكرم أهل الأرض اليوم عندي ، وأنا أعلم وأحكم؟
فقالت الملائكة : ربّنا وسيّدنا ما نرى في الأرض أحدا يذكرك بالوحدانيّة مخلصا إلاّ نورا واحدا في ظهر رجل من ولد إسماعيل.
قال الله عزّ وجلّ : اشهدوا انّي قد اخترته لنطفة حبيبي محمّد.
قال : فبسط له الحرم بالعزّ والشرف حتى ولد له مالك ، وإنّما سمّي مالك لأنّه ملك العرب. وأوصى مالك ابنه فهرا ، وأوصى فهر الى لؤيّ ، وأوصى لؤيّ الى غالب ، وأوصى غالب الى كعب ، وأوصى كعب الى مرّة ، وأوصى مرّة الى كلاب ، فولد له قصيّ ، وذلك في زمان فيروز بن قباد.
وإنّما سمّي قصيّ لأنّه كان يقصي الباطل ويدني الحقّ ، وكانت العرب إليه تتحاكم زمانا ودهرا ، وهو الذي ولي الناس وولي أمر البيت ، وأطعم الحاجّ ، وساد الناس ، وبنى لنفسه دارا بمكّة ، فكانت أوّل دار بنيت بمكّة ، وهي دار الندوة ، وجمع قبائل قريش فأنزلهم أبطح مكّة ، وكان بعضهم في الشعاب ورءوس الجبال بمكّة ، فقسّم منازلهم فسمّي بذلك مجمّعا ، وفيه يقول مطرود لبنيه ، ويقال إنّه لحذافة بن غانم الجمحي :
قصيّ أبوكم كان يدعى مجمّعا |
|
به جمع الله القبائل من فهر |
هم نزلوها والمياه قليلة |
|
وليس بها إلاّ كهول أبي عمرو |
يعني خزاعة. ومات قصيّ بمكّة ، ودفن بالحجون ، فتدافن الناس في الحجون ، والحجون هو الجبل الذي بحذاء المسجد الذي يلي شعب الخرّازين الى ما بين