حرب ، ولبّا لمن تدبّر ، وفهما لمن فطن ، ويقينا لمن عقل ، وتبصرة لمن عزم ، وآية لمن توسّم ، وعبرة لمن اتّعظ ، ونجاة لمن صدق ، ومودّة من الله لمن أصلح ، وزلفا لمن ارتقب ، وثقة لمن توكّل ، وراحة لمن فوّض ، وجنّة لمن صبر. الحقّ سبيله ، والهدى صفته ، والحسنى مأثرته ، فهو أبلج المنهاج ، مشرق المنار ، مضيء المصابيح ، رفيع الغاية ، يسير المضمار ، جامع الحيلة ، متنافس السبقة ، كريم الفرسان. التصديق منهاجه ، والصالحات مناره ، والفقه مصابيحه ، والموت غايته ، والدنيا مضماره ، والقيامة جلبته ، والجنّة سبقته ، والنار نقمته ، والتقوى عدّته ، والمحسنون فرسانه. فبالإيمان يستدلّ على الصالحات ، وبالصالحات يعمر الفقه ، وبالفقه يرهب الموت ، وبالموت تختم الدنيا ، وبالقيامة تزلف الجنّة للمتقين وتبرز الجحيم للغاوين.
فالإيمان على أربع دعائم : الصبر ، واليقين ، والعدل ، والجهاد. فالصبر من ذلك على أربع شعب : الشوق ، والشفق ، والزهادة ، والترقّب.
ألا من اشتاق الى الجنّة سلا عن الشهوات ، ومن أشفق من النار رجع عن المحرّمات ، ومن زهد في الدنيا هانت عليه المصيبات ، ومن ارتقب الموت سارع الى الخيرات. واليقين على أربع شعب : على تبصرة الفطنة ، وتأوّل الحكمة ، وموعظة العبرة ، وسنّة الأوّلين. فمن تبصّر في الفطنة تبيّن الحكمة ، ومن تبيّن الحكمة عرف العبرة ، ومن عرف العبرة عرف السنّة ، ومن عرف السنّة فكأنّما كان في الأوّلين. والعدل على أربع شعب : على غامض الفهم ، وغمارة العلم ، وزهرة الحكم ، وروضة الحلم. فمن فهم نشر جميل العلم ، ومن علم عرف شرائع الحكم ، ومن عرف شرائع الحكم لم يضلّ ، ومن حكم لم يفرط امره وعاش في الناس حميدا. والجهاد على أربع شعب : على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، والصدق في المواطن ، وشنآن الفاسقين. فمن أمر بالمعروف شدّ ظهر المؤمن ، ومن نهى عن المنكر أرغم أنف الكافر ، ومن صدق في المواطن قضى ما عليه ، ومن شنأ الفاسقين غضب لله ، ومن غضب لله تعالى فهو مؤمن حقّا. فهذه صفة الإيمان ودعائمه.