إلى جانب هذا كانوا لا يحاربون جماعات غريبة عنهم ، وإنما يحاربون إخوانهم وعشائرهم وأصحابهم الذين تربطهم بهم مودة ومعرفة. ولا ريب أن مثل هذا الشعور بدأ يظهر بوضوح في آخر عهد الإمام علي إثر إحساسهم بالهزيمة أمام مراوغة خصمهم في يوم التحكيم ، حيث اكتشف زعماء القبائل ومن إليهم أن سياسة أمير المؤمنين لا يمكن أن تلبي مطامحهم التي تزكيها سياسة معاوية في دفع المال وإقطاع الولايات ، فحاولوا إذكاء هذا الشعور والتأكيد عليه. وقد ساعد على تأثير هؤلاء الزعماء ونفوذهم في أوساط المجتمع الروح القبلية التي استفحلت في عهد عثمان بعد أن أطلقت من عقالها بعد وفاة النبي (ص).
ولا يخفى أن الإنسان القبلي عالمه قبيلته ، ينفعل بانفعالاتها ويطمح بطموحاتها ، ويعادي من يعاديها. فهو كما وصفه أحد الشعراء :
وما أنا إلا من
غزية إن غوت |
|
غويت وإن ترشد
غزية أرشد |
وقد عبر الناس عن رغبتهم في الدعة وكراهيتهم للقتال بتثاقلهم عن الخروج لحرب الفرق السورية التي كانت تغير على الحجاز واليمن وحدود العراق. فلم يستجيبوا للإمام علي حين دعاهم للخروج ثانية إلى صفين.
ولما استشهد الإمام علي (ع) وبويع للإمام الحسن بالخلافة برزت هذه الظاهرة على أشدها ، وخاصة عندما دعاهم الإمام الحسن للتجهيز لحرب الشام ، حيث كانت الاستجابة باردة جدا. ثم جهز جيشا ضخما إلا أنه كتب عليه الهزيمة قبل ملاقاة العدو وذلك بسبب التيارات المتعددة التي كانت تتجاذبه. فقد « خف معه أخلاط من الناس : بعضهم شيعة له ولأبيه ، وبعضهم خوارج يؤثرون قتال معاوية بكل حيلة ، وبعضهم أصحاب حيلة وطمع في الغنائم ، وبعضهم شكاك وأصحاب عصبية اتبعوا رؤساء قبائلهم ». وكان هؤلاء قد باعوا أنفسهم من معاوية واعدين بأن يسلموه الحسن حيا أو ميتا. وحين خطبهم الإمام الحسن ليختبر مدى إخلاصهم هتفوا من كل جانب « البقية البقية » بينما هاجمته طائفة تريد قتله. وفي