ونظائرهم. هذا سوى المشرّدين في الآفاق ، والمغيّبين في قعر السجون.
وكان خيرة القوم في سيرته عمر بن عبد العزيز ، فانّه عرف ما عليه الناس من بغضهم لأهله ، فحاول أنّ يغيّر الرأي فيهم ، والقول عنهم. (١)
ولا غرابة لو رضي الناس بحكومة هؤلاء القوم ، لأن الناس إلى أمثالهم أميل وبأشباههم أرغب.
إنّ الدين يتطلّب من الناس التقوى سرّا وإعلانا ، والسيرة العادلة فى القريب والبعيد ، كما يتطلّب الانتهاء عن الفحشاء ما ظهر منها وما بطن ، والكفّ عن الاعتداء في الرضى والغضب ، وما أبعد الناس عمّا يتطلّبه منهم الدين ، وأين من تقوده نفسه ـ والنفس أمّارة بالسوء ـ إلى اتباع الشريعة وإن ضيّقت عليه سبل الشهوات وحرّمت عليه الظلم والاعتداء.
ولو أراد الناس الهدى لما خفي عليهم الرعاة أرباب العدل والحقّ والايمان والصدق ، ولما ارتضى منهم أولئك الرعاة غير هذه الخلال الكريمة ، وإنّ الناس لتبتعد عن هذه الفضائل العلويّة ابتعاد الوحش من الملائك ، والحصباء من نجوم السماء.
ولو سبرت أحوال الناس لأيقنت بصدق تلك الكلمة النبويّة الخالدة : « كيفما تكونون يولّى عليكم » (٢) ، وهل يرتضي ذو العلم أن يحكمه الجاهل ، والعادل أن يقوده الفاسق.
__________________
(١) ولقد استوفى القاضي أبو حنيفة النعمان المصري في كتابه ( المناقب والمثالب ) ما للهاشميّين من المناقب وللامويّين من المثالب ، ولو قرأت هذا الكتاب لعرفت ما كان عليه بنو أميّة من شنيع الأعمال ولو أردنا الاستقصاء لذكرنا أضعاف ما أوردناه وبما ذكرناه يحصل المطلوب ، والكتاب المذكور ما زال مخطوطا لم يطبع ورأيت منه نسخة في بعض مكتبات النجف ..
(٢) مسند أحمد بن حنبل : ٤ / ٤٣٧ ..