وهنا مسألة أُخرى كالمتفرعة على هذه المسألة وهي مسألة الاحباط والتكفير ، وهي ان الاعمال هل تبطل بعضها بعضاً أو لا تبطل بل للحسنة حكمها وللسيئة حكمها ، نعم الحسنات ربما كفرت السيئات بنص القرآن .
ذهب بعضهم إِلى التباطل والتحابط بين الاعمال وقد اختلف هؤلاء بينهم ، فمن قائل بأن كل لاحق من السيئة تبطل الحسنة السابقة كالعكس ، ولازمه ان لا يكون عند الانسان من عمله إِلا حسنة فقط أو سيئة فقط ، ومن قائل بالموارنة وهو ان ينقص من الاكثر بمقدار الاقل ويبقى الباقي سليماً عن المنافي ، ولازم القولين جميعاً ان لا يكون عند الانسان من اعماله إِلا نوع واحد حسنة أو سيئة لو كان عنده شيء منهما .
ويردهما اولاً قوله تعالى : « وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِن اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ » التوبة ـ ١٠٢ ، فإِن الآية ظاهرة في اختلاف الاعمال وبقائها على حالها إِلى ان تلحقها توبة من الله سبحانه ، وهو ينافي التحابط بأي وجه تصوروه .
وثانياً : أنه تعالى جرى في مسألة تأثير الأعمال على ما جرى عليه العقلاء في الاجتماع الانساني من طريق المجازاة ، وهو الجزاء على الحسنة على حدة وعلى السيئة على حدة إِلا في بعض السيئات من المعاصي التي تقطع رابطة المولوية والعبودية من أصلها فهو مورد الاحباط ، والآيات في هذه الطريقة كثيرة غنية عن الايراد .
وذهب آخرون إِلى أن نوع الاعمال محفوظة ، ولكل عمل أثره سواء في ذلك الحسنة والسيئة .
نعم الحسنة ربما كفرت السيئة كما قال تعالى : « يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ » الانفال ـ ٢٩ ، وقال تعالى : « فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ » البقرة ـ ٢٠٣ ، وقال تعالى : « إِن تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ » النساء ـ ٣١ ، بل بعض الاعمال يبدل السيئة حسنة كما قال تعالى : « إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَٰئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ » الفرقان ـ ٧٠ .
وهنا مسألة أُخرى هي كالاصل لهاتين
المسألتين ، وهي البحث عن وقت استحقاق