على كلّ حال لأنَّ الجزء الأعظم من تفاصيل حقائق الشريعة غير مذكور في القرآن الكريم ومتروك إلى السنة المتلقاة عن العترة عليهمالسلام.
وامَّا الثاني ـ فلأنَّ كلّ كتاب لا بدَّ وأَنْ يتناسب مع الغرض الّذي من أجله أُلّف ذلك الكتاب وكلّما كان صاحبه أعلى شأناً كان وفاء الكتاب بذلك الغرض أكمل وأتقن ، وحينئذ لو كان غرض صاحب الكتاب تبيان الحقائق العلمية الهندسية مثلاً استوجب ذلك أَنْ يكون الكتاب معمقاً بأعمق درجة علمية ، وامَّا إذا لم يكن هذا هو الغرض بل الغرض هداية الإنسان وإخراجه من الظلمات إلى النور وتربيته وتغذيته فكرياً وروحياً وخلقياً ـ الّذي كان الكتاب الكريم وافياً به بأعلى مراتب الوفاء الّذي لا نظير له في سائر الكتب كما يشهد به التاريخ ـ فهو يتوقّف على أَنْ يكون الكتاب بياناً واضحاً ونوراً هادياً لا مبهماً ملغزاً.
هذا مضافاً إلى انَّنا نتكلّم في آيات الأحكام والتشريعات التي هي جمل إنشائية لا خبريّة فلا معنى للدقة والعمق والإلغاز فيها إذ ليس فيها اخبار عن المغيبات وقضايا عالم الغيب لكي يستعصي على أفهامنا إدراكها. وامَّا الدقة والعمق في ملاكات الأحكام فلا ربط لها بنفس الأحكام والتشريعات التي هي محل استفادة المكلّفين ومدلول آيات الأحكام.
وامَّا الإجمال العرضي فمبنيّ على دعوى العلم الإجمالي بعدم إرادة بعض الظواهر القرآنية لمخصص أو قرينة فيقع التعارض والإجمال فيما بينها.
وهذا الكلام صحيح صغرى إِلاّ انَّه لا يثبت مطلوب الخصم ، كيف ومثل هذا العلم موجود بالنسبة إلى السنة أيضا فهل يدعي الخصم سقوطها عن الحجيّة؟. بل كما يقال بانحلال هذا العلم هناك بالفحص عن المخصصات والقرائن كذلك في المقام ، وقد تقدّم البحث عن ذلك مفصلاً في أبحاث العام والخاصّ.
وهكذا يتّضح انَّ الصحيح حجيّة الظواهر القرآنية من آيات الأحكام كالظواهر في السنة الشريفة.