إن معاوية إتهم علياً بالهوادة في أمر
عثمان وإيوائه قتلته في جيشه وعدم القصاص منهم كل ذلك حتى لا يفلس من الشام لأنه يعلم مسبقاً أن علياً لن يقرّه عليها وأنه ـ إذا استتب له الأمر ـ سيكون في عداد الولاة والأمراء المعزولين وسيخضع لحسابٍ عسير من علي الذي لا يهادن ولا يماري في أمر الله ، وبالفعل فقد جرت وساطات لإِقناع علي ( ع ) في أن يقر معاوية على عمله ، لكنه رفض ، فقد أشار عليه المغيرة بن شعبة بذلك ، فكان ردّه ( ع ) : « لم يكن الله ليراني أتخذ المضلين عضداً »
.
لقد كان علي ( ع ) واضحاً في حجته حين
كتب إلى معاوية : « إن بيعتي بالمدينة لزمتك وأنت بالشام لأنه بايعني القوم الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان على ما بويعوا عليه ، فلم يكن للشاهد أن يختار ولا للغائب أن يرد وإنما الشورى للمهاجرين والأنصار . . الخ »
.
لكن معاوية كان في أثناء مراسلاته لعلي
يهيىء للحرب ، فقد استطاع أن يشرب أهل الشام بغض علي مقنعاً إياهم أنه هو المسؤول عن دم عثمان وأنه يريد الثأر له فاستجابوا له على ذلك ، بل وصل الجهل بهم أن هددوه بالعزل إن لم يفعل ذلك . هذا إن لم يكن هو الذي أوحى لهم بأن يقولوا ذلك . فكانت صفين .
واحتدمت الحرب بين الفريقين واستعرت
نارها ، وهنا كان لا بد من شاهد حق يدحض حجة الباغي ويجدع أنف الباطل ، كان لا بد من شاهد حق يصدم تلك الأدمغة التي أمعنت في غيها وظلالها كي تعود إلى الصواب . . إلى جادة الحق .
لقد كان هذا الشاهد الحق هو عمار بن
ياسر ، وبالضبط : شهادة عمار بن ياسر ! كلا الفريقين كانا يرويان حديث النبي ( ص ) في عمار . . في صفين نفسها والحرب على قدم وساق كانت سيرة عمار بن ياسر تدور على
__________________