معروضاتها وليس كالأمر الاعتباري المحض ، فان أريد بذلك ان هناك حالة في الذهن تقتضي من الناحية الفسلجية أن ينساق إلى هذه المعاني من دون أن يكون ذلك مربوطا بالواقع الموضوعي في الخارج بل بنكتة ترتبط بذهن المفكر نفسه ـ كما ادعى ذلك بعض الفلاسفة المحدثين ـ فهذا أيضا خلاف الوجدان والضرورة القاضية بأن مثل قضية « الإنسان ممكن » أو « مساو المساوي مساو » قضية صادقة صدقا واقعيا مع قطع النّظر عن وجود أي ذهن وذات مفكرة ، بل ان هذه القضايا تكون بحسب هذا الإدراك فوق الذهن وثابتة قبله وفي عالم لم يخلق فيه مفكر ، فالعقل يدرك استحالة اجتماع النقيضين في كل العوالم حتى عالم لا وجود فيه للفكر والمفكر. وإن أريد بذلك أن الذهن ينساق إلى هذه المعاني لنكتة قائمة بالموضوع نفسه أي بالمفكر فيه لا بالفكر وفسلجته الذاتيّة ، فتلك النكتة لا بد وأن تكون هي النكتة الواقعية والثابتة في لوح الواقع بنفسها وذاتها وان خارجيتها وواقعيتها بالذات لا بالوجود كيف ومثل الامتناع في اجتماع النقيضين لا يمكن أن يكون خارجيا بالوجود.
وهذا أحد المسالك في إبطال من يدعي انحصار الواقع الخارجي بالمادة وظواهرها إذ من الضروري رياضيا ومنطقيا ان قضية مساو المساوي مساو ثابتة وحقة سواء وجدت مادة وظاهرة مادية أم لا.
كما انه بما ذكرناه ظهر بطلان ما اقترحه الخواجة نصير الدين الطوسي ( قده ) على ما نقله عنه صاحب الأسفار في دفع العويصة في هذا القسم من العوارض التي يكون الاتصاف بها خارجيا مع ان عروضها في الذهن والاعتبار ـ على حسب تفسير المشهور ـ من نقل القضية من الذهن بالمعنى المعهود إلى معنى آخر سماه العقل الأول أي الواجب وان هذه الأعراض ثبوتها وعروضها انما يكون في العقل الأول فهي ثابتة بثبوته وليس بوجود موضوعها في الخارج ، (١) إذ من الواضح ان هذه الأعراض حقة وثابتة وواقعية حتى لو فرض عدم وجود العقل الأول والواجب ، فحتى المنكر لوجود الواجب يمكنه أن يتقبل حقانية هذه القضايا ، وقضية امتناع اجتماع النقيضين صادقة
__________________
(١) الأسفار الأربعة ، ج ١ ، ص ١٤٥ ـ ١٤٦.