أنه موجود مخلوق لله تعالى خلقه بيده ووسط في خلقه وبقائه ملائكته وسائر خلقه من سماء وأرض ونبات وحيوان ومكان وزمان وما عداها ، وأنه سائر إلى معاده وميعاده سيراً اضطرارياً ، وكادح الى ربه كدحاً فملاقيه ثم يجزى جزاء ما عمله ، أيما إلى جنة ، أيما إلى نار فهذه طائفة من المعارف .
ثم يفهمه أن الأعمال التي تؤديه إلى سعادة الجنة ما هي ، وما تؤديه إلى شقوة النار ما هي ؟ أي يبين له الأحكام العبادية والقوانين الاجتماعية ، وهذه طائفة اخرى .
ثم يبين له : أن هذه الأحكام والقوانين مؤدية إلى السعادة أي يفهمه : أن هذه الطائفة الثانية مرتبطة بالطائفة الأولى ، وأن تشريعها وجعلها للانسان إنما هو لمراعاة سعادته لاشتمالها على خير الإنسان في الدنيا والآخرة ، وهذه طائفة ثالثة .
وظاهر عندك أن الطائفة الثانية بمنزلة المقدمة ، والطائفة الاولى بمنزلة النتيجة ، والطائفة الثالثة بمنزلة الرابط الذي يربط الثانية بالاولى ، ودلالة الآيات على كل واحدة من هذه الطوائف المذكورة واضحة ولا حاجة الى إيرادها .
ومنها : أنه لما كانت عامه الناس لا يتجاوز فهمهم المحسوس ولا يرقى عقلهم الى ما فوق عالم المادة والطبيعة ، وكان من ارتقى فهمه منهم بالارتياضات العلمية إلى الورود في إدراك المعاني وكليات القواعد والقوانين يختلف أمره باختلاف الوسائل التي يسرت له الورود في عالم المعاني والكليات كان ذلك موجباً لاختلاف الناس في فهم المعاني الخارجة عن الحس والمحسوس اختلافاً شديداً ذا عرض عريض على مراتب مختلفة ، وهذا أمر لا ينكره أحد .
ولا يمكن إلقاء معنى من المعاني إلى إنسان إلا من طريق معلوماته الذهنية التي تهيأت عنده في خلال حيوته وعيشته ، فإن كان مأنوساً بالحس فمن طريق المحسوسات على قدر ما رقى اليه من مدارج الحس كما يمثل لذة النكاح للصبي بحلاوة الحلواء ، وإِن كان نائلاً للمعاني الكلية فبما نال وعلى قدر ما نال ، وهذا ينال المعاني من البيان الحسي والعقلي معاً بخلاف المأنوس بالحس .
ثم إن الهداية الدينية لا تختص بطائفة دون طائفة من الناس بل تعم جميع الطوائف وتشمل عامة الطبقات ، وهو ظاهر .