استقلاليةً وأصالةً هو المحاولة الثالثة باعتبارها تصنيفاً مستقلاًّ ، وليس مجرّد اختصارٍ لكتابٍ سابق ، ولكنّها لا تفي مع ذلك بالحاجة لعدّة أسباب :
منها : أنّها لا يمكن الاقتصار عليها في السطح والاكتفاء بها عن جميع الكتب الدراسية الاصولية ، وإنّما هي مرشَّحة لتكون الحلقة الوسيطة بين المعالم وكتابي : الكفاية والرسائل على ما يبدو من ظروف وضعها. ومن الواضح أنّ هذا أشبه ما يكون بعمليّة الترقيع ، فهي وإن حرصت على أن تعطي للطالب غالباً الأفكار الحديثة في علم الاصول بقدر ما اتيح للمؤلِّف إدراكه واستيعابه ولكنّها تصبح قلقةً حين توضع في مرحلةٍ وسطى ، فيبدأ الطالب بالمعالم ليقرأ أفكاراً اصولية ومناهج اصوليةً في البحث وفقاً لما كان عليه العلم قبل مئات السنين ، ثمّ ينتقل من ذلك فجأةً وبقدرة قادرٍ ليلتقي في ( اصول الفقه ) أفكاراً اصوليّةً حديثةً مستقاةٍ من مدرسة المحقّق النائينيّ على الأغلب ، ومن تحقيقات المحقّق الإصفهانيّ أحياناً ، وبعد أن يفترض أنّ الطالب فهم هذه الأفكار نرجع به خطوةً إلى الوراء ؛ ليلتقي في الرسائل والكفاية بأفكارٍ أقدم تأريخياً بعد أن نوقش جملة منها في الحلقة السابقة واستبدلت جملة منها بأفكارٍ أمتن ، وهذا يشوِّش على الطالب مسيره العلميّ في مرحلة السطح ولا يجعله يتحرّك في الاتّجاه الصحيح.
ومنها : أنّ « اصول الفقه » على الرغم من أنّه غيّر من المظهر العامّ لعلم الاصول ـ إذ قسّمه إلى أربعة أقسامٍ بدلاً عن قسمين ، وأدرج مباحث الاستلزامات والاقتضاءات في نطاق المباحث العقلية بدلاً عمّا درج عليه المؤلّفون من ذكرها ضمن مباحث الألفاظ ـ ولكنّ هذا لم يتجاوز التصرّف في كيفية تقسيم مجموعة المسائل الاصولية المطروحة في الكتب السابقة إلى مجاميع ، فقد صنِّفت في أربعة مجاميع ـ كما أشرنا ـ بدلاً عن مجموعتين ، ولم يمسَّ هذا التصرّف جوهر تلك المسائل ، ولم يستطع أن يكتشف ـ مثلاً ـ في مقدمات مسألة الملازمة بين وجوب الشيء ووجوب مقدمته مسائل اصوليةً لها استحقاقها الفنّي لأَنْ تُعرض كمسائل اصوليةٍ في نطاق الأدلّة العقلية. وهكذا اقتصر التغيير على المظهر ولم يتجاوزه إلى الجوهر.
ومنها : أنّ الكتاب لا تعبِّر بحوثه عن مستوىً واحدٍ من العطاء كيفاً وكمّاً ، أو عن