ليكون محجوزا ومراقبا ومعزولاً عن قاعدته العريضة في المدينة المنورة وعن أداء دوره الرسالي في أوساط الاُمّة.
ورغم ضيق هامش الحرية المتاحة للامام الهادي عليهالسلام وفي حدود فسحة ضيقة محكومة بالرقابة والقسوة ، سجّل عليهالسلام رصيداً علمياً وعطاءً معرفياً واسعاً ، وأسهم في أداء دوره الرسالي ، وقدّم عطاءات جادة على طريق الدفاع عن أصول الدين ونشر فروعه ، وإيصال سنن جده المصطفى وآبائه الكرام عليهمالسلام إلى قطاعات واسعة من الاُمّة ، فضلاً عن مقاومة مظاهر البدع والانحراف ، فكان علماً للحق ومرجعاً للدين تهرع إليه الاُمّة حيثما أشكلت مسألة وكلما استجدت أخرى فيوجهها نحو الاصول الحقيقية للشريعة المقدسة.
ولعل أهم ما يستوقف الباحث في حياة الإمام الهادي هو أنه أُسند إليه منصب الامامة بكل ما يتطلبه من احاطة تامة بعلم الشريعة وأحكامهابعد شهادة أبيه عليهالسلام وهو في سن الثامنة من عمره الشريف ، وتلك ظاهرة نجدها لأول مرّة في تاريخ أهل البيت عليهمالسلام متمثلة بأبيه الامام الجواد وثانياً بالامام الهادي وثالثاً بالامام الحجة المهدي المذخور لاقامة دولة الحق عليهمالسلام ، وهو أمر لا يصدق على سائر الناس ، ولا يقع في دائرة الإمكان الا لمن كان محاطاً بعناية إلهية خاصة ، وواقعاً ضمن دائرة الاصطفاء الالهي التي جعلت عيسى بن مريم يتكلم وهو في المهد ويتولى مهام النبوة وهو في السابعة من عمره ، وجعلت يحيى بن زكريا نبياً وهو في بواكير الصبا ( وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة سبحان اللّه وتعالى عما يشركون ) (١).
ولقد ثبت من سيرته أنه كان أعلم أهل زمانه وأرجحهم كفة بلا خلاف ،
__________________
(١) سورة القصص : ٢٨ / ٦٨.