والخلقة ، وأنّها بعد الخلقة في قبضة قدرته وحوزة سلطنته لم تفوّض لغيره ، ولأجل ذلك يذكر في سورة يونس بعد هذه الجملة قوله : ( يدبِّر الأمر ما من شفيع إلاّ من بعد إذنه ) معرباً عن أنّه المدبِّر لأمر الخلقة ، وذلك لاستيلائه على عرش ملكه. فمن استولى على عرش ملكه يقوم بتدبيره ، ومن ثلّ عرشه أو زال ملكه أو انقطع عنه لا يقدر على التدبير. كما أنّه سبحانه يذكر بعد هذه الجملة في سورة الأعراف كيفيّة التدبير ويقول : ( يُغْشِي الَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشَّمْسَ وَالقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرات بِأَمْرِهِ ألا لَهُ الخَلْقُ وَالأَمْرُ ) فهذه الجمل تعابير عن تدبيره صحيفة الكون. وكونه مصدراً لهذه التدبيرات الشامخة ، دليل على أنّه مستول على ملكه ، مهيمن عليه ، مسيطر على ما خلق ولم يخرج الكون عن حوزة قدرته ، ومثله سائر الآيات الواردة فيها تلك الجملة ، فإنّك ترى أنّه جاء في ضمن بيان فعل من أفعاله سبحانه. ففيها دلالات على « التوحيد في التدبير » الّذي هو أحد مراتبه.
وأمّا إذا فسّرنا الاستواء بالجلوس والاستقرار ، والعرش بالكرسي الّذي يتربّع عليه الملوك ، يكون المعنى غير مرتبط بما ورد في الآية من المفاهيم ، إذ أيّ مناسبة بين التربّع على الكرسي المادي والقيام بهذه التدابير الرفيعة. فإن المصحِّح للتدبير هو السيطرة والهيمنة على الملك وهو لا يحتاج إلى التربّع والجلوس على الكرسي ، بل يتوقّف على سعة ملكه ونفوذ سلطته.
وقد قام القاضي بتأويل الآية بمثل ما ذكرنا ـ بعبارات قليلة ـ وهو نموذج واضح للتأويل المقبول.
وإذا وقفت على هذا المقياس تقدر على تمييز المقبول عن الزائف في الصفات الخبريّة ، وعليك بالآيات الوارد فيها الألفاظ التالية :
الوجه ، العين ، الساق ، مجيئه سبحانه.
وفي الأحاديث المرويّة عن طرق ضعاف ورد : الرجل ، والقدم.
فالمعتزلة بل العدليّة عامّة يصفونه سبحانه بكلِّ ما وصف نفسه به. ولكنّ