الحواسّ ولا يقاس بالناس ، ولا يشبه الخلق بوجه من الوجوه ولا تجري عليه الآفات ، ولا تحلّ به العاهات ، وكلّ ما خطر بالبال ، وتصوّر بالوهم فغير مشبه له. لم يزل أوّلاً ، سابقاً ، متقدّما للمحدثات ، موجوداً قبل المخلوقات ، ولم يزل عالماً قادراً حيّاً ولا يزال كذلك. لا تراه العيون ، ولا تدركه الأبصار ، ولا تحيط به الأوهام ، ولا يسمع بالأسماع ، شيء لا كالأشياء ، عالم قادر حيّ لا كالعلماء القادرين الأحياء. وإنّه القديم وحده ولا قديم غيره ولا إله سواه ، ولا شريك له في ملكه ، ولا وزير له في سلطانه ولا معين على إنشاء ما أنشأ وخلق ما خلق. لم يخلق الخلق على مثال سبق ، وليس خلق شيء بأهون عليه من خلق شيء آخر ولا بأصعب عليه منه ، ولا يجوز عليه اجترار المنافع ولا تلحقه المضار ، ولا يناله السرور واللذات ، ولا يصل إليه الأذى والآلام ، ليس بذي غاية فيتناهى ، ولا يجوز عليه الفناء ، ولا يلحقه العجز والنقص، تقدّس عن ملامسة النساء ، وعن اتّخاذ الصاحبة والأبناء ، قال : فهذه جملة قولهم في التّوحيد » (١).
والسابر في نهج البلاغة يقف على أنّ المعتزلة أخذت جلّ هذه الكلمات من خطب الإمام أمير المؤمنين عليهالسلام لكن باختلاف في التعبير والألفاظ.
وقد ذكرت المعتزلة وغيرهم دليلاً عقليّاً على تنزيهه سبحانه عن هذه الصفِّات ، خلاصته : أنّه سبحانه ليس مادّة ولا ماديّاً ولا مركّباً منهما ، وما ليس كذلك يمتنع عليه هذه الصفات. فمن يُثبت له حركة أو سكوناً أو يداً أو رجلاً فلا منتدح له عن القول بكونه جسماً أو جسمانياً.
هذا هو الحقّ القراح الّذي لا يشكّ فيه مسلم واع. إنّما الكلام في تفسير ما ورد من النُّصوص المشتملة بظواهرها على هذه الصفِّات. وهذه النقطة هي المخمصة الكبرى للمعتزلة. فلابدّ لهم من الجمع ما بين العقل والنّقل بوجه يقبله العقل ، ولا
__________________
١ ـ مقالات الاسلاميين للاشعري : ص ١٥٥ ـ ١٥٦. وقد كتب أبو الفتح محمد بن علي الكراجكي ( م ٤٤٩ ) قائمة تشتمل على اُصول التنزيه على مذهب الامامية أسماها « البيان عن جمل اعتقاد أهل الايمان » فمن أراد فليرجع إلى كنز الفوائد ، ج ١، ص ٢٤٠ ط بيروت.