مجال القضاء ، موضوعيّة على الأغلب مع كون الحكم الكلّي معلوماً ، كاختلاف الناس في الأموال والديون ، بخلاف الشبهة في مجال الاجتهاد فإنّ الحكم الكلّي مشتبه غير معلوم ، والمجتهد يسعى بكلّ حول وقوّة رفع الشبهة ، وإراءة مُحيّا الحقيقة.
والآية كما هو صريح سياقها ، ناظرة إلى المقام الأوّل ، ولا صلة لها بالمقام الثاني. يقول سبحانه بعد هذه الآية ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا اُنْزِلَ إِلَيْكَ ومَا اُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يَضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً ) ( النساء / ٦٠ ) وقد ورد في أسباب نزولها ما يؤيّد ما ذكرناه فلاحظ.
٢ ـ يجوز للجنب مسُّ المصحف
قال في المحلّى : « وأمّا مسّ المصحف ، فإنّ الآثار الّتي احتجّ بها من لم يجز للجنب مسّه ، فإنّه لا يصحّ منها شيء ، لأنّها إمّا مرسلة ، وإمّا ضعيفة لا تسند ، وإمّا عن مجهول ... فإن ذكروا قول الله : ( فِي كِتَاب مَكْنُون * لا يَمَسُّهُ إلاّ المُطَهَّرُونَ ) ( الواقعة / ٧٨ ـ ٧٩ ). فهذا لا حجّة لهم فيه ، لأنّه ليس أمراً ، وإنّما هو خبره والله تعالى لا يقول إلاّ حقّاً ، ولا يجوز أن يصرف لفظ الخبر إلى معنى الأمر إلاّ بنصّ جلي أو إجماع متيقّن. فلمّا رأينا المصحف يمسّه الطّاهر وغير الطّاهر علمنا أنّه عزّوجلّ لم يعن المصحف وإنّما عنى به كتاباً آخر » (١).
واستدلّ على الجواز بعمل النّبي وأنّه كتب كتاباً إلى عظيم « بصرى » ليدفعه إلى هرقل وفيه قوله سبحانه : ( قُلْ يَا أَهْلَ الكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَة سَواءٌ بَيْنَنَا وبَيْنَكُمْ ألاّ نَعْبُدَ إلاّ اللّهَ ولا نُشْرِكَ بِهِ شَيئاً ) ( آل عمران / ٦٤ ). وقد أيقن أنّهم يمسّون ذلك الكتاب (٢).
__________________
١. المحلى : ج ١ ص ٨٣.
٢. الدر المنثور : ج ١ ص ٤٠.