وما أسّسه من المذهب يرتبط بالفروع والأحكام ، لا العقائد والاُصول فالمصدر الفقهي عنده هو النّصوص، بلا رأي في حكم من أحكام الشرع ، فهم يأخذون بالنصوص وحدها وإذا لم يكن النصّ أخذوا بالاباحة الأصليّة.
أقول : إنّ إقصاء العقل عن ساحة العقائد يستلزم طرده عن ساحة الفقه بوجه أولى ، لأنّ أساسه هو التعبّد بالنصوص، وعدم الافتاء بشيء لا يوجد له أصل في الكتاب والسنّة ، لكنّ الجمود على حرفيّة النصوص شيء والتعبّد بالنصوص وعدم الافتاء في مورد لا يوجد فيه أصل ودلالة في المصدرين الرئيسيين شيء آخر. فالظاهرية على الأوّل ، والفقهاء على الثّاني ، ولأجل إيضاح الحال نأتي بمثالين :
١ ـ إنّ الشكل الأوّل من الأشكال الأربعة ضروريّ الإنتاج من غير فرق بين الاُمور التكوينيّة أو الأحكام الشرعيّة ، فكما أنّ الحكم بحدوث العالم نتيجة حتميّة لقولنا : العالم متغيّر وكلّ متغيّر حادث ، فهكذا الحكم بحرمة كلّ مسكر ، نتيجة قطعيّة لقولنا : الفقاع مسكر ، وكلّ مسكر حرام ، فالفقاع حرام. لكنّ الظاهري يقبل المقدّمتين ولكن لا يفتي بالنتيجة بحجّة أنّها غير مذكورة في النصوص.
٢ ـ ما يسمّيه الفقهاء بلحن الخطاب وإن كان شيئاً غير مذكور في نفس الخطاب ، لكنّه من اللوازم البيِّنة له ، بحيث يتبادر إلى الذّهن من سماعه ، فإذا خاطبنا سبحانه بقوله : ( فَلا تَقُلْ لَهُما اُفّ ) ( الإسراء / ٢٣ ) يتوجّه الذهن إلى حرمة ضربهما وشتمهما بطريق أولى ، ولكنّ الفقيه الظّاهري يأبى عن الأخذ به بحجّة كونه غير منصوص.
قال سبحانه : ( قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يَغْفِرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ وإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الأوَّلِينَ ) ( الأنفال / ٣٨ ) فالموضوع للحكم « مغفرة ما سلف عند الانتهاء » وإن كان هو الكافر ، لكن الذهن السليم يتبادر إلى فهم شيء آخر لازم لهذا الحكم بالضّرورة وهو تعميم الحكم إلى المسلم أيضاً بوجه آكد. ولكنّ الظّاهري يتركه بحجّة أنَّه غير مذكور في النصّ.