الحشر والنشر ، ووجود الشرّ في العالم ، مع كون خالقه حكيماً إلى غير ذلك ممّا لا يمكن فصلها عن الدين ، وأقصى ما كان لدى هؤلاء المتزمّتين ، دعوة المسلمين إلى التعبّد بما جاء من النصوص في القرآن والسنّة ، وقد تصدّر هذه الطائفة الفقهاء وأهل الحديث ولقد أثر عنهم قول وعمل يعرِّفان موقفهم في هذه التيّارات ، ويرجع مغزى ذلك إلى الأخذ بالجانب السّلبي وترك الكلام الّذي هو أسهل الأمرين ، ولأجل ذلك قامت تلك الطّائفة بتحريم علم الكلام والمنطق والفلسفة ، وإن كان يهدف إلى تقرير العقائد الإسلاميّة عن طريق العقل والبرهان.
وإليك نماذج من أقوالهم في هذا المضمار :
١ ـ عن أبي يوسف القاضي ( م ١٩٢ ) : طلب علم الكلام هو الجهل ، والجهل بالكلام هو العلم (١).
٢ ـ وعن الشافعي : لأن يلقى الله تبارك وتعالى بكلّ ذنب ما خلا الشرك خير له من أن يلقاه بشيء من علم الكلام (٢).
٣ ـ وهذا الإمام مالك ( م ١٧٩ ) لمّا سئل عن كيفيّة الاستواء على العرش؟ فقال : الاستواء معقول والكيف مجهول والايمان به واجب والسؤال عنه بدعة (٣).
فهؤلاء صوّروا البحث عن قوانين الكون ، وصحيفة الوجود جهلاً ، والجهل بها علماً ، والبرهنة على وجوده سبحانه أمراً مذموماً ، والسؤال عن مفاد الآية ومرماها بدعة. فكأنّ القرآن أُنزل للتلاوة والقراءة دون الفهم والتدبّر ، وكأنّ القرآن لم يأمر النّاس بالسؤال من أهل الذكر إذا كانوا جاهلين. فإذا كان هذا حال قادة الاُمّة وفقهائها ، فكيف حال من يَقتدي بهم؟
٤ ـ سأل رجل عن مالك وقال : ينزل الله سماء الدنيا؟ قال : نعم. قال : نزوله
__________________
١ ـ تاريخ بغداد ج ١٤ ص ٢٥٣.
٢ ـ حياة الحيوان للدميري ج ١ ص ١١، كما في كتاب « المعتزلة » ص ٢٤٢.
٣ ـ طبقات الشافعية : ج ٣ ص ١٢٦.