بزوجها ، وعاد من سفره فبات في طريقه ، وأشار إلى عمار بن ياسر وعباد بن بشر أن يحرساه ، فاقتسما الليلة فكان لعباد بن بشر النصف الأول ، ولعمار بن ياسر النصف الثاني ، فنام عمار بن ياسر وقام عباد بن بشر يصلي ، وقد تبعهم اليهودي يطلب امرأته ، ويغتنم إهمالاً من التحفظ فيفتك بالنبي صلىاللهعليهوآله فنظراليهودي إلى عباد بن بشريصلي في موضع العبور ، فلم يعلم في ظلام الليل هل هو شجرة أو أكمة أو دابة أو أنسان ، فرماه بسهم فأثبته فيه ، فلم يقطع عباد بن بشرالصلاة ، فرماه بآخر فأثبته فيه ، فلم يقطع الصلاة ، فرماه باخر فخفف الصلاة وأيقظ عمار بن ياسر ، فرأى السهام في جسده فعاتبه وقال : هلا أيقظتني في أول سهم!؟ فقال : كنت قد بدأت بسورة الكهف فكرهت أن أقطعها ، ولولا خوفي أن يأتي العدو على نفسي ويصل إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله وأكون قد ضيعت ثغراً من ثغور المسلمين ، ما خففت من صلاتي ولو أتى على نفسي ، فدفعا العدو عما أراده.
أقول : وذكر أبونعيم الحافظ في الجزء الثاني من كتاب (حلية الأولياء) بإسناده في حديث أبي ريحانة ، أنه كان مع رسول الله صلىاللهعليهوآله في غزوة : فأوينا ذات ليلة إلى شرف (١) ، فأصابنا فيه برد شديد ، حتى رأيت الرجال يحفر أحدهم الحفيرة فيدخل فيها ويكفأ عليه بحجفته (٢) ، فلما رأى ذلك منهم ، قال : «من يحرسنا في هذه الليلة؟ فأدعوله بدعاء يصيب به فضله» فقام رجل فقال : أنا يا رسول الله ، فقال : «من أنت؟» فقال : فلان بن فلان الأنصاري ، فقال : «ادنه» فدنا منه ، فأخذ ببعض ثيابه ، ثم استفتح بدعاء له ، قال أبو ريحانة : فلما سمعت ما يدعو به رسول الله صلىاللهعليهوآله للأنصاري فقمت فقلت : أنا رجل ، فسألني كما سأله وقال : «ادنه» كما قال له ، ودعا بدعاء دون ما دعا به للأنصاري ، ثم قال : «حرمت النارعلى عين سهرت في سبيل الله ، وحرمت النار على عين دمعت من خشية الله» وقال الثالثة أنسيتها.
قال أبو شريح بعد ذلك : «وحرمت النارعلى عين غضت عن محارم الله» (٣).
__________________
(١) الشرف : المكان العالي.«الصحاح ـ شرف ـ ٤ : ١٣٧٩».
(٢) الحجفة : الترس إذا كان من جلود. «الصحاح ـ حجف ـ ٤ : ١٣٤١».
(٣) حلية الأولياء ٢ : ٢٨.