قائمة الکتاب

    إعدادات

    في هذا القسم، يمكنك تغيير طريقة عرض الكتاب
    بسم الله الرحمن الرحيم

    تذكرة الفقهاء [ ج ٢١ ]

    103/339
    *

    و قال صاحب التتمّة من الشافعيّة: يصرف إلى الإماميّة المنتظرة للقائم(١).

    و كلا القولين خطأ.

    أمّا بيان خطأ الأوّل: فلأنّ السبّ لا يخرج السابّ عن كونه عاقلا، أقصى ما في الباب أنّه ارتكب ما لا يجوز، و ليس ذلك سببا في سلب العقل(٢) ، و إلاّ لكان كلّ فسق كذلك، و هو باطل قطعا، مع أنّ السباب بين الصحابة قد وقع، فقد سبّ معاوية و بنو أميّة أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السّلام على المنابر ثمانين سنة، و كذا سبّ أمير المؤمنين عليه السّلام معاوية، مع كمال عقله و سبقه في العلم و بلوغه أقصى الغايات فيه.

    ثمّ قتل الصحابة أعظم كثيرا من سبّهم، و قد قتل يزيد بن معاوية الحسين عليه السّلام و نهب حريمه مع إظهار النبيّ صلّى اللّه عليه و اله محبّته له(٣) ، و اشتهار أمره و أمر أخيه، و جعل اللّه تعالى مودّتهم أجر الرسالة(٤) ، التي هي أعظم الألطاف الربّانيّة على العبيد، فإنّ بسببها يحصل الثواب الدائم و الخلاص من العقاب السرمد، مع أنّ يزيد لم يخرج بذلك عن حدّ العقلاء، بل كان إماما عند بعضهم.

    و كان عمر بن الخطّاب عندهم ثاني الخلفاء صاحب الفتوح الكثيرة٣.

    ١- عنه في العزيز شرح الوجيز ٩١:٧، و روضة الطالبين ١٥٧:٥.

    ٢- في الطبعة الحجريّة: «السلب» بدل «سلب العقل».

    ٣- راجع على سبيل المثال: المصنّف - لابن أبي شيبة - ٩٧:١٢-١٢٢٣١/٩٨ و ١٢٢٣٢، و فضائل الصحابة - لأحمد بن حنبل - ١٣٥٦/٧٦٩:٢، و ٧٧٠ - ١٣٥٨/٧٧١، و سنن ابن ماجة ١٤٢/٥١:١، و الجامع الصحيح (سنن الترمذي) ٥: ٦٥٦-٣٧٦٩/٦٥٧.

    ٤- سورة الشورى: ٢٣.

    و السياسات العظيمة و قد سبّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله في مرضه الذي توفّي فيه صلّى اللّه عليه و اله، حيث قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله: «ائتوني بدواة و كتف لأكتب فيه كتابا لن تضلّوا بعده أبدا» فقال عمر: إنّ الرجل ليهجر، حسبنا كتاب اللّه، فأعرض النبيّ صلّى اللّه عليه و اله عنه مغضبا، ثمّ وقع التشاجر بين الصحابة، فقال بعضهم: القول ما قاله عمر، و قال آخرون: القول ما قاله رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله، و أمرهم النبيّ صلّى اللّه عليه و اله بالانصراف عنه؛ حيث آذوه بالصياح عنده، فسألوا منه الكتابة، ففتح عينيه صلّى اللّه عليه و اله و قال: «أبعد ما سمعت»(١).

    و قال يوما: إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله شجرة نبتت في كبا، أي: في مزبلة، و عنى بذلك رذالة أهله، فسمع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله ذلك فاشتدّ غيظه ثمّ نادى:

    «الصلاة جامعة» فحضر المسلمون بأسرهم، فصعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله المنبر، ثمّ حمد اللّه و أثنى عليه، و قال: «أيّها الناس ليقم كلّ منكم ينتسب إلى أبيه حتى أعرف نسبه» فقام إليه شخص من الجماعة و قال: يا رسول اللّه، أنا فلان بن فلان بن فلان، فقال: «صدقت» ثمّ قال آخر فقال: يا رسول اللّه، أنا فلان بن فلان، فقال: «لست لفلان، و إنّما أنت لفلان، و انتحلك فلان ابن فلان» فقعد خجلا، ثمّ لم يقم أحد، فأمرهم عليه السّلام بالقيام و الانتساب مرّة و اثنتين، فلم يقم أحد، فقال: «أين السابّ لأهل بيتي ليقم إليّ و ينتسب إلى أبيه ؟» فقام عمر و قال: يا رسول اللّه، اعف عنّا عفا اللّه عنك، اغفر لنا غفر اللّه لك، احلم عنّا أحلم اللّه عنك، و كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله كثير الحياء، فقال:

    «إذا كان يوم القيامة سجدت سجدة لا أرفع رأسي حتى لا يبقى أحد من بنير.

    ١- الطبقات الكبرى - لابن سعد - ٢٤٢:٢ و ٢٤٤، مسند أحمد ٢٩٨٣/٥٣٤:١، صحيح البخاري ١٥٦:٧، صحيح مسلم ٢١/١٢٥٩:٣ و ٢٢، سرّ العالمين: ١١، الوفا بأحوال المصطفى ٧٧٩:٢-٧٨٠، و فيها بتفاوت و اختصار.

    عبد المطّلب إلاّ دخل الجنّة»(١).

    و أيضا فقد سبّ أهل السّنّة و الجماعة النبيّ صلّى اللّه عليه و اله، حيث نسبوا إليه الكفر؛ لأنّه صلّى اللّه عليه و اله صلّى يوما صلاة الصبح و قرأ فيها سورة النجم إلى أن وصل إلى قوله تعالى: وَ مَناةَ الثّالِثَةَ الْأُخْرى (٢) قالوا: فقرأ بعد ذلك: تلك الغرانيق العلى منها الشفاعة ترتجى(٣) ، و هذا عين الكفر، و أيّ سبّ أعظم ممّن نسب الكفر إلى من قال اللّه تعالى فيه قبل هذه الآية بكلمات وَ ما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى * إِنْ هُوَ إِلاّ وَحْيٌ يُوحى (٤).

    و نسبوا أباه إلى الكفر(٥) ، و أيّ سبّ أعظم من أن يقال للشخص:

    يا ابن الكافر، بل سبّوا اللّه تعالى، حيث أسندوا جميع الموجودات من الحسن و القبيح إليه تعالى، فجميع شرّ في العالم أو ظلم أو غير ذلك فهو صادر منه، تعالى اللّه عن ذلك، و إذا سبّ الإنسان غيره فقال: أنت كافر، كان معناه أنّك أوجدت الكفر و فعلته، فبأيّ شيء يسبّ اللّه تعالى بأعظم من ذلك.

    و أمّا بيان بطلان القول الثاني: فلأنّ الجهل ليس باعتبار اعتقاد الإمامة؛ لأنّ العقل و النقل متطابقان عليها، و لا باعتبار اعتقادهم في صفات الإمام من العصمة و الانحصار في عدد معيّن؛ لدلالة العقل و النقل معا عليه، فإنّ غير المعصوم يحتاج إلى إمام معصوم كما احتاجت الأمّة إليه، و قد نصّ٢.

    ١- لم نعثر عليه فيما بين أيدينا من المصادر.

    ٢- سورة النجم: ٢٠.

    ٣- ينظر: جامع البيان ١٣١:١٧ و ما بعدها، و الوسيط - للواحدي - ٢٧٦:٣، و النكت و العيون (تفسير الماوردي) ٣٥:٤-٣٦.

    ٤- سورة النجم: ٣ و ٤.

    ٥- دلائل النبوّة - للبيهقي - ١٩٢:١، و ينظر: البداية و النهاية ٢٨٠:٢.