فلا يخلو إمّا أن يردّه بعد ما غرم للمجنيّ عليه أو قبله، فإن ردّه بعد الغرم برئ، و إن ردّه قبله فبيع العبد في الجناية، رجع المالك على الغاصب بما أخذ منه؛ لأنّ الجناية حصلت حين كان العبد مضمونا عليه، و يخالف ما إذا جنى في يد المالك ثمّ غصبه غاصب فردّه ثمّ بيع في تلك الجناية؛ حيث لا يرجع المالك بشيء؛ لأنّ الجناية حصلت و هو غير مضمون عليه.
مسألة ١٠٧٥: لو كان لرجل عبد فجنى العبد على رجل جناية تستغرق قيمته...
لو كان لرجل عبد فجنى العبد على رجل جناية تستغرق قيمته ثمّ غصبه بعد ذلك غاصب و جنى في يد الغاصب جناية أخرى تستغرق قيمته أيضا ثمّ ردّه إلى المالك فبيع في الجنايتين و قسّم الثمن بينهما نصفين، رجع المالك على الغاصب بنصف قيمة العبد الذي أخذه المجنيّ عليه ثانيا؛ لأنّ الجناية كانت في يد الغاصب و العبد في ضمانه، فإذا أخذه المالك كان للمجنيّ عليه الأوّل التعلّق به و أن يأخذه، و لا حقّ فيه للمجنيّ عليه ثانيا؛ لأنّ حقّ الأوّل تعلّق بجميع الرقبة، و حقّ الثاني تعلّق بالنصف.
و هذا لا وجه له؛ لأنّ حقّ الثاني تعلّق بجميع الرقبة أيضا، ألا ترى أنّ الأوّل لو أبرأه استحقّ الثاني جميع القيمة.
و قيل في وجه ذلك: إنّ الذي يأخذه من الغاصب إنّما هو عوض عمّا أخذه المجنيّ عليه ثانيا، فلا يتعلّق حقّه به، و يتعلّق حقّ الأوّل به؛ لأنّه بدل عن قيمة الجاني لا يزاحم به، فكان له.
و أيضا سبب وجوب هذا النصف إنّما هو الغصب، فإنّه بالغصب ضمن ما يجني المغصوب، و الغصب متقدّم على الجناية الثانية، فلا يأخذ المجنيّ عليه الثاني ممّا وجب به شيئا، كما لو جنى عبد على رجل ثمّ قطعت يده ثمّ جنى على آخر ثمّ قتل أو مات من سراية القطع، فإنّ أرش اليد لا يأخذ منه المجنيّ عليه الثاني شيئا؛ لوجوبه بالقطع المتقدّم على
الجناية عليه، ثمّ إذا أخذه المجنيّ عليه الأوّل لم يرجع المالك على الغاصب؛ لأنّه أخذه بسبب جناية غير مضمونة على الغاصب(١).
و لو كانت المسألة بحالها و تلف العبد بعد الجنايتين في يد الغاصب، فله طلب القيمة من الغاصب، و للمجنيّ عليه أخذها، فإذا أخذها فللمالك الرجوع بنصفها على الغاصب؛ لأنّه أخذ منه النصف بجناية مضمونة على الغاصب، فإذا رجع به فللمجنيّ عليه الأوّل أخذه؛ لأنّه بدل ما تعلّق به حقّه قبل الجناية الثانية، و إذا أخذه لم يكن له الرجوع على الغاصب مرّة أخرى؛ لأنّه مأخوذ بجناية غير مضمونة على الغاصب، و هذا ظاهر مذهب الشافعي(٢) أيضا.
و قيل: إذا ردّ العبد و بيع في الجنايتين، فالنصف الأوّل يرجع به المالك و يسلم له و لا يؤخذ منه، و إنّما يطالب المجنيّ عليه أوّلا الغاصب بنصف القيمة، و إذا تلف في يد الغاصب بعد الجنايتين لا يأخذ المالك شيئا، و لكن المجنيّ عليه الأوّل يطالب الغاصب بتمام القيمة، و المجنيّ عليه الثاني يطالبه بنصف القيمة(٣) ، و لا بأس به عندي.
مسألة ١٠٧٦: لو غصب عبدا فجنى العبد في يد الغاصب ثمّ ردّه إلى المالك
بعد جنايته فجنى و هو في يد المالك جناية أخرى و كلّ واحدة منهما مستغرقة لقيمته فبيع فيهما و قسّم المال بينهما، فللمالك الرجوع على الغاصب بنصف القيمة للجناية التي هي مضمونة عليه.
فإذا أخذه، قال أبو علي من الشافعيّة: سمعت القفّال مرّة يقول: ليس
١- بحر المذهب ٩٩:٩، البيان ٣١:٧، العزيز شرح الوجيز ٤٤٢:٥-٤٤٣.
٢- بحر المذهب ٩٩:٩-١٠٠، البيان ٣٢:٧، العزيز شرح الوجيز ٤٤٣:٥، روضة الطالبين ١٢٦:٤.
٣- العزيز شرح الوجيز ٤٤٣:٥، روضة الطالبين ١٢٦:٤.