١- اختار هذا الوجه جمع من أصحابنا كثاني الشهيدين و غيره، و حاصله: حمل العدوى المنفية على العدوى بالطبع، بمعنى أن من طبيعة المرض و خصوصيته كونه معديا [كذا، و الظاهر: غير معد] بطبعه لا بفعل اللّه سبحانه، و لذا حكي عنه صلى اللّه عليه و آله و سلّم أنه قال: فمن اعدى الأول. و الثاني - فر من المجذوم -.. الاعلام بلزوم الفرار و عدم ورود الممرض على المصح، و ذلك لأن اللّه سبحانه جعل ذلك سببا، و حذّر من الضرر الذي يغلب وجوده عند وجوده، و هذا لا ينافي كون المؤثر هو اللّه سبحانه و تعالى، و كذا نهيه صلى اللّه عليه و آله دخول بلد يكون فيه الوباء أو التبول في المياه الراكدة.. و نظائر ذلك.
٢- وقع كلام في تحديد معنى الذريعة اصطلاحا بعد الاتفاق على معناه اللغوي بأنها بمعنى الوسيلة التي يتوصل بها الى الشيء. و حددها الشاطبي ب: توسل بما هو مصلحة الى مفسدة. و لعل أقرب التعاريف قول ابن القيم: من أن الذريعة ما كان وسيلة و طريقا الى الشيء، اخذا بمفهومها اللغوي - أو الوسيلة المفضية الى الأحكام الخمسة - كما فصلها في أصول الفقه المقارن: ٤٠٨، و حررت هذه المسألة في كتب الشيعة في مبحث مقدمة الواجب من الأصول، فراجع.
٣- اختاره السخاوي في فتح المغيث: ٧٦/٣ و جعله الاولى في الجمع تبعا لشيخه في توضيح النخبة، و ابن خزيمة و الطحاوي و جماعة و الدربندي رحمه اللّه في درايته منا: ٦ - خطي - و قال: الاولى في الجمع بينهما.. ثم ناقشه بقوله: و أنت خبير بما فيه من عدم الاستقامة لان احتجاجه على مطلبه بقوله: و قد صح قوله (صلى اللّه عليه و آله): لا يعدي شيء شيئا، من جملة المصادرات، اذ ما في هذا الحديث أيضا يحتمل أن يكون المراد منه عدم العدوى بالطبع، ثم ان ما ذكره في قضية الأمر بالفرار من المجذوم فهو أيضا مما ركاكته ظاهرة، لأنه لا يكون حينئذ وجه لتخصيص المجذوم بالذكر في الحديث. و قال - في نفس الصفحة -: و كيف كان، فان مقتضى التحقيق أن العدوى المنفية هي عدوى الطبع، أي ما كان يعتقده الجاهل من أن ذلك يتعدى من فعل الطبيعة من غير استناد الى اذن اللّه تعالى و أمره و سلطانه جلّ سلطانه، فلذلك قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله): فمن أعدى الأول ؟. ثم قال: ثم لا يخفى عليك انه اذا لم يتيسر الجمع، فان علمنا أحدهما ناسخا قدمناه، و إلا رجعنا الى الأصول و القواعد المقرّرة في علم الأصول.
ثالثها: ما عن القاضي الباقلاني من أن إثبات التعدي(١) في الجذام و.. نحوه مخصوص من عموم نفي العدوى، فيكون معنى قوله (عليه السلام) (لا عدوى) اي الاّ من الجذام و.. نحوه(٢).
رابعها: إن الأمر بالفرار إنما هو لرعاية حال المجذوم، لأنه إذا رأى الصحيح عظمت مصيبته، و ازدادت حسرته.. الى غير ذلك من وجوه الجمع(٣).