الوجه الثاني : إنّ ملاحظة ما ذكره المفسّرون و علماء القرآن من أسباب نزول الآيات تدلّنا بوضوح على أنّ مرادهم به ليس هو خصوص ما كان سببا بالمصطلح الفلسفيّ، بأن يكون علّة نزلت الآية من أجله، و إنّما يذكرون تحت عنوان «سبب النزول» كلّ القضايا التي كان النزول في إطارها، و ما يرتبط بنزول الآيات بنحو مؤثّر في دلالتها و معناها، بما في ذلك الزمان و المكان، و إن لم يتقيّد ذلك حتى بالزمان و المكان، و لذلك فإنّ سبب النزول يصدق على ما يخالف زمان النزول بالمضيّ و الاستقبال.
و قد لا تكون أسباب النزول إلّا خصوصيّات في موارد التطبيق تعتبر فريدة، فهي تذكر مع الآية لمقارنة حصولها عند نزولها، ككون العاملين بالآية متّصفين ببعض الصفات، أو تعتبر مقارنات نزول الآية لعمل شخص ميّزة له و فضيلة.
إلى غير ذلك ممّا يضيق المجال عن إيراد أمثلته و تفصيله، فإنّ جميع هذه الموارد يسمّونها في كتبهم ب «أسباب النزول» بينما ليس في بعضها سببيّة للنزول بالمصطلح الأوّل.
فالمصطلح القرآنيّ لكلمة «أسباب النزول» نحدّده بقولنا : «كلّ ما له صلة بنزول الآيات القرآنيّة».
فيشمل كلّ شيء يرتبط بنزولها، سواء كان علّة و سببا أو كان بيانا و إخبارا عن واقع، أو تطبيقا نموذجيّا فريدا، أو ورد الحكم فيه لأوّل مرّة، أو كان في مورده جهة غريبة تجلب الانتباه أو نحو ذلك.
و أمّا الطرق التي ذكروها لتعيين أسباب النزول فهي :
١ ــ ما ذكره السيوطيّ بقوله : و الذي يتحرّر في سبب النزول أنّه ما نزلت