أقول : ومما يؤيّد هذا ما روي عن الصادق
عليه السلام أنّه قال : « لا تحل الفتيا لمن لا يستفتي من اللّه عزّ وجلّ بصفاء
سرّه وإخلاص عمله (١) وعلانيّته وبرهان من ربّه في كلّ حال ، لأنّ من أفتى فقد حكم
، والحكم لا يصحّ إلّا بإذن من اللّه وبرهانه ، ومن حكم بالخبر بلا معاينة فهو
جاهل مأخوذ بجهله ومأثوم بحكمه .
قال النبيّ صلّى اللّه عليه وآله :
أجرأكم على الفتيا أجرأكم على اللّه عز وجلّ .
أولا يعلم المفتي أنّه هو الذي يدخل بين
اللّه تعالى وبين عباده ، وهو الحاجز (٢) بين الجنّة والنار ؟ .
قال سفيان بن عيينة : كيف ينتفع بعلمي
غيري وأنا قد حرمت نفسي نفعها ؟
ولا تحلّ الفتيا في الحلال والحرام بين
الخلق إلّا لمن كان أتبع الخلق من أهل زمانه وناحيته وبلده بالنبيّ صلّى اللّه
عليه وآله . قال النبي صلّى اللّه عليه وآله : وذلك لربّما ولعلّ ولعسى ، ولأنّ
الفتيا عظيمة .
قال أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب
عليه السلام لقاض : هل تعرف الناسخ من المنسوخ ؟
قال : لا .
قال : فهل أشرفت على مراد اللّه عزّ
وجلّ في أمثال القرآن ؟
قال : لا .
قال : إذن هلكت وأهلكت .
والمفتي يحتاج إلى معرفة معاني القرآن
وحقائق السنن وبواطن الإشارات والآداب والإجماع ولاختلاف ، والاطّلاع على أصول ما
أجمعوا عليه وما اختلفوا فيه ، ثمّ إلى [ حسن ] (٣) الاختيار ، ثم إلى العمل
الصالح ، ثمّ الحكمة ، ثمّ التقوى ، ثمّ حينئذ إن قدر » (٤) إلى هنا كلام الصادق
عليه السلام .
قال السيّد رحمه اللّه : « ولم أكن عرفت
ولا سمعت من أحد ما قد كتبت به إليك يا ولدي من الهدايات وفتح أبواب العنايات لكن
كان الأمر مبينا على ظواهر العبادة وإيقاعها على مقتضى العادة .
______
( ١ ) ـ في مصباح الشريعة : علمه .
( ٢ ) ـ في مصباح الشريعة : الحائل .
( ٣ ) ـ ما بين المعقوفين أثبتناه من
مصباح الشريعة .
( ٤ ) ـ مصباح الشريعة : ٣٥١ ، الباب ٦٣
في الفتيا ، وعنه في بحار الأنوار ٢ : ١٢٠ / ٣٤ .