ثالثها :
إنّ من المعلوم إجمالا أنّ جلّ الرواة بل كلّهم فقدوا العدالة في الجملة ، بمعنى أنّهم لم يستمرّوا عليها من أوّل بلوغهم إلى زمان وفاتهم ، سيّما لو فسرّنا العدالة ب : الملكة ؛ فإنّ من البعيد غاية البعد حصول الملكة لهم من أوّل البلوغ مستمرّة إلى حين الوفاة.
سلّمنا أنّ فيهم من كان كذلك ؛ لكنّه نادر.
سلّمنا عدم النّدرة ؛ لكنّه مشتبه غالبا ، ولا نرى أحدا يتفحّص عن أحوال الرجال كذلك ، ولا عن تقارن زمان الرواية لزمان العدالة.
فعلى هذا ؛ فلا ثمرة في علم الرجال إلاّ أن يثبت العدالة واقترانها لحال الرواية ، وأنّى لك بإثباته (١)!
__________________
ـ من التزوير والوثوق بها كما عليه طريقة العقلاء .. إذ دليل الحجية فيهما واحد ، ولعلّ ذلك يستفاد من أمر الإمام العسكري عليه السلام في أمر كتب بني فضال حين سئل : ما نصنع بكتبهم وبيوتنا منها ملاء؟قال عليه السلام : «خذوا بما رووا وذروا ما رأوا» ، بل أمرهم عليهم السلام بالكتابة وتوريث ما يكتبون بينهم ـ معللا بأنّه يأتي على الناس زمان هرج لا يأنسون إلاّ بكتبهم ـ خير شاهد على ما ذكرناه.
نعم ؛ ناقش بعض اساتذتنا قدّس اللّه أسرارهم في المكاتبات بأنّها في معرض التقية أكثر من المشافهات ، وهذا يندفع بقيد الوثوق والاطمئنان العقلائي ، فتدبّر.
وقد أشار لهذا الوجه وجوابه ـ بشكل آخر قد يعدّ جوابا مغاير ـ الشيخ الخاقاني في مقدمات رجاله : ٨٨ ، فراجع.
(١) وبعبارة اخرى : أنّ تعديل المعدّل للراوي قضية مهملة وهو غير مجد ؛ لعدم معلومية كون تعديله حين روايته ، ومعه لا حجية.