ولم يكن هناك قول من الحوض على الحقيقة
، ولكن المعنى : أن ما ظهر من امتلائه فى تلك الحال جار مجرى القول منه ، فأقام
تعالى الأمر المدرك بالعين ، مقام القول المسموع بالأذن. وقيل المعنى : إنا نقول
لخزنة جهنم هذا القول ، ويكون الجواب منهم على حد الخطاب. ويكون ذلك من قبيل : ﴿ وَاسْأَلِ
الْقَرْيَةَ ﴾
فى إسقاط المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه. وذلك كقولهم : يا خيل الله اركبي.
والمراد : يا رجال الله اركبي. وعلى القول الأول يكون مخرج هذا القول لجهنم على
طريق التقرير لاستخراج الجواب بظاهر الحال ، لا على طريق الاستفهام والاستعلام ،
إذ كان الله سبحانه قد علم امتلاءها قبل أن يظهر ذلك فيها. وإنما قال سبحانه هذا
الكلام ليعلم الخلائق صحة وعده ، إذ يقول تعالى : ﴿
لَأَمْلَأَنَّ
جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ
﴾
والوجه فى قوله تعالى فى الحكاية عن جهنم : ﴿
هَلْ
مِن مَّزِيدٍ ﴾
بمعنى لا من مزيد فىّ. وليس ذلك على طريق طلب الزيادة ، وهذا معروف فى الكلام ،
ومثله قوله عليهالسلام
: « وهل ترك عقيل لنا من دار ؟ » أي ما ترك لنا دارا. ]
وليس بعد كلام الشريف الرضى فى هذه
الآية بيان ولا مزيد لمستزيد ... فقد أفاض ـ كعادته ـ فى الكشف عن وجوه الاستعارة
فى الآية الشريفة ، وأبان أن اغتصاص جهنم بأهلها كان بمنزلة النطق منها بأنها لا
زيادة فيها ، ولا سعة عندها ، كما أيّد ذلك المجاز بقول الراجز : امتلأ الحوض وقال
قطنى ، أي حسبى. فإن الحوض لا يتكلم ، وكذلك جهنم لا تتكلم ، ولكن ما يظهر من
امتلاء الاثنين جرى مجرى النطق منهما. ثم أبان بعد ذلك أنه يجوز أن يكون المراد
بالقول لجهنم هو القول لأهلها ، فكأن الله تعالى قال : يوم نقول لأهل جهنم ، وهذا
المجاز جائز لغة وهو الذي سماه البيانيون الاصطلاحيون بعد