وقوله سبحانه : ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً ، فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ ﴾ [٣٩] وهذه استعارة. وقد مضى الكلام على نظيرها فى « الحج » . إلا أن هاهنا زيادة ، وهى صفة الأرض بالخشوع ، كما وصفت هناك بالهمود. واللفظان جميعا يرجعان إلى معنى واحد ، وهو ما يظهر على الأرض من آثار الجدب ، وأعلام المحل ، فتكون كالإنسان الخاشع الذي قد سكنت أطرافه ، وتطأطأ استشرافه.
وقوله سبحانه : ﴿ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ ، لَّا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ ، تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ﴾ [٤١] ، [٤٢] وهذه استعارة. وقد قيل فيها أقوال : منها أن يكون المراد بذلك أن هذا الكتاب العزيز لا يشبهه شىء من الكلام المتقدم له ، ولا يشبهه شىء من الكلام الوارد بعده. فهذا معنى : ﴿ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ ﴾ لأنه لو أشبهه شىء من الكلام المتقدم أو الكلام المتأخر لأبطل معجزته ، وفصم حجته. فكأن الباطل قد أتاه من إحدى الجهتين المذكورتين ، إما من جهة أمامه ، وإما من جهة ورائه. وهذا معنى عجيب.
وقال بعضهم : معنى ذلك أنه لا تعلق به الشّبهة من طريق المشاكلة ، ولا الحقيقة من جهة المناقضة ، فهو الحق الخالص الذي لا يشوبه شائب ، ولا يلحقه طالب.
وقال بعضهم : معنى ذلك أن الشيطان والإنسان لا يقدران على أن ينتقصا منه حقا ، ولا يزيدا فيه باطلا.
وقال بعضهم : معنى ذلك أنه لا باطل فيه من الإخبار عمّا كان وما يكون. فكأنّ المراد بقوله سبحانه : ﴿ لَّا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ ﴾ أي من جهة ما أخبر عنه