ومن السورة التي يذكر
فيها
« مريم عليهاالسلام
»
قوله سبحانه : ﴿ قَالَ
رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا ﴾ [٤] وهذه من
الاستعارات العجيبة. والمراد بذلك : العبارة عن تكاثر الشّيب فى الرأس حتى يقهر
بياضه ، وينصل سواده.
وفى هذا الكلام دليل على سرعة تضاعف
الشيب وتزيّده وتلاحق مدده ، حتى يصير فى الإسراع والانتشار كاشتعال النار ، يعجز
مطفيه ، ويغلب متلافيه.
وقوله سبحانه : ﴿ فَأَجَاءَهَا
الْمَخَاضُ إِلَىٰ جِذْعِ النَّخْلَةِ ﴾ [٢٣] . وهذه
استعارة. والمعنى : فجاء بها المخاض ، أو ألجأها المخاض إلى جذع النخلة ، لتجعله
سنادا لها ، أو عمادا لظهرها. وهى التي لجأت إلى النخلة ، ولكنّ ضرب المخاض لما
كان سببا لذلك ، حسن أن ينسب الفعل إليه فى إلجائها ، والمجيء بها
وقوله سبحانه : ﴿ وَوَهَبْنَا
لَهُم مِّن رَّحْمَتِنَا ، وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا ﴾
[٥٠] وهذه استعارة. والمراد بذكر اللسان هاهنا ـ والله أعلم ـ الثناء الجميل
الباقي فى أعقابهم ، والخالف فى آبائهم
. والعرب تقول : جاءنى لسان فلان. يريد مدحه أو ذمه. ولما كان مصدر المدح والذم عن
اللسان عبروا عنهما باسم اللسان.
وإنما قال سبحانه : ﴿ لِسَانَ
صِدْقٍ ﴾
. إضافة للسان إلى أفضل حالاته ، وأشرف متصرفاته ، لأن أفضل أحوال اللسان أن يخبر
صدقا ، أو يقول حقا.
__________________