والاستعارة الأخرى قوله تعالى : ﴿ وَإِذَا غَرَبَت تَّقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ ﴾ . وفى ذلك قولان : أحدهما أن يكون المراد أنها تقرضهم فى ذات الشمال ، أي أنها تجوزهم عادلة بمطرح شعاعها عنهم. من قولهم : قرضت الشيء بالمقراض. إذا قطعته به. والمقراض متجاوز لأجزائه أولا حتى ينتهى إلى آخره. والقول الثاني : أن يكون المراد أنها تعطيهم القليل من شعاعها عند مرها بهم ، ثم تسترجعه عند انصرافها عنهم. تشبيها بقرض المال الذي يعطيه المعطى ليستردّه ، ويقدمه ليرتجعه. ومعنى قرض المال أيضا مأخوذ من القطع ، لأن المقرض يعطى للمقترض شقة من ماله ، وقطعة من حاله.
وقوله سبحانه : ﴿ وَكَذَٰلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ ﴾ [٢١] . وهذه استعارة. والمراد ـ والله أعلم ـ وكذلك أطلعنا عليهم. إلا أن فى لفظ الإعثار فائدة ، وهى مصادفة الشيء عن غير طلب له ولا إحساس به ، وهو « أفعلنا » من الإعثار. وأصله أن الساعي فى طريقه إذا صدّ قدمه ، أو نكب إصبعه شىء ، ففي الأغلب أنه يقف عليه متأملا له ، وناظرا إليه. فكأنه استفاد علم ذلك من غير أن تتقدم معرفته به. ومن ذلك قول القائل لغيره : لأعثرنّ عليك بخطيئة فأعاقبك. أي لأقفن على ذلك منك.
وعلى هذا قوله سبحانه : ﴿ فَإِنْ عُثِرَ عَلَىٰ أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْمًا ﴾ (١) . أي اطّلع على ذلك منهما ، واستفيد العلم به من باطن أمرهما.
وقوله سبحانه : ﴿ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ ﴾ [٢٢] . وهذه استعارة لأن الرجم هاهنا هو القذف بالظن ، والقول بغير علم. ومن عادة
__________________
(١) سورة المائدة. الآية رقم ١٠٧.