وهذا دليل آخر على عدم كلّية هذه القاعدة ، هذا كلّه مضافا إلى مخالفتها للإجماع ، فإنّ علماء الإسلام من زمن الصحابة إلى يومنا هذا لم يزالوا يستعملون المرجّحات في الأخبار المتعارضة بظواهرها ثمّ اختيار أحدهما وطرح الآخر من دون تأويلهما معا ، لأجل الجمع.
وأمّا ما تقدّم من غوالي اللآلئ فليس نصّا ـ بل ولا ظاهرا ـ في دعوى تقديم الجمع بهذا النحو على التخيير والترجيح ، فإنّ الظاهر من الإمكان في قوله : «فإن أمكنك التوفيق بينهما» هو الإمكان العرفي في مقابل الامتناع العرفي بحكم أهل اللسان ، فإنّ حمل اللفظ على خلاف ظاهره بلا قرينة غير ممكن عند أهل اللسان ، بخلاف حمل العامّ والمطلق. على الخاصّ والمقيّد.
ويؤيّده قوله أخيرا : «فإذا لم تتمكّن من ذلك ولم يظهر لك وجهه فارجع إلى العمل بهذا
____________________________________
هذا كلّه مضافا إلى مخالفتها أي : كلّية القاعدة للإجماع ، فإنّ علماء الإسلام من زمن الصحابة إلى يومنا هذا لم يزالوا يستعملون المرجّحات في الأخبار المتعارضة بظواهرها ... إلى آخره.
ثمّ هذا الإجماع مبني على تعميم المرجّحات للاصول وغيرها لما سيجيء من أنّ سيرة العلماء الرجوع إلى الأصل الموافق لأحدهما بعد فقد المرجّحات.
وكيف كان ، فقد أشار إلى ردّ الجمع المذكور في كلام الأحسائي بقوله :
وأمّا ما تقدّم من غوالي اللآلئ فليس نصّا ـ بل ولا ظاهرا ـ في دعوى تقديم الجمع بهذا النحو على التخيير والترجيح ، فإنّ الظاهر من الإمكان أي : المتبادر منه عرفا في قوله : «فإن أمكنك التوفيق بينهما» هو الإمكان العرفي كما في مورد تعارض الظاهر مع النصّ أو الأظهر ، حيث يمكن الجمع عرفا بحمل الظاهر على النصّ في الأوّل أو على الأظهر في الثاني.
في مقابل الامتناع العرفي بحكم أهل اللسان ، فإنّ حمل اللفظ على خلاف ظاهره بلا قرينة غير ممكن عند أهل اللسان ، بخلاف حمل : ينبغي إكرام العلماء ، على الأظهر ، نحو : يجب إكرام العلماء ، وحمل العامّ والمطلق على الخاصّ والمقيّد فيكون ممكنا عند العرف وأهل اللسان.
ويؤيّده أي : كون المراد من الإمكان هو الإمكان العرفي قوله أخيرا : «فإذا لم تتمكّن