فنقول : إنّ حقيقة الإبطال ـ بمقتضى وضع باب الإفعال ـ إحداث البطلان في العمل الصحيح وجعله باطلا ، نظير قولك : أقمت زيدا ، أو أجلسته ، أو أغنيته ، والآية بهذا المعنى راجعة إلى النهي عن جعل العمل لغوا لا يترتّب عليه أثر كالمعدوم ، بعد أن لم يكن كذلك.
فالإبطال هنا نظير الإبطال في قوله تعالى : (لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى)(١) بناء على أنّ النهي عن تعقيبها بهما ، بشهادة قوله تعالى : (ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ ما أَنْفَقُوا مَنًّا وَلا أَذىً)(٢) ، الآية.
الثاني : أن يراد به إيجاد العمل على وجه باطل ، من قبيل قوله : «ضيّق فم الركيّة» ، يعني : أحدثه ضيّقا ، لا أحدث فيه الضيق بعد السعة ، والآية بهذا المعنى نهي عن إتيان الأعمال مقارنة للوجوه المانعة عن صحّتها أو فاقدة للامور المقتضية للصحّة ، والنهي على هذين الوجهين ظاهره الإرشاد ، إذ لا يترتّب على إحداث البطلان في العمل أو إيجاده باطلا ، عدا
____________________________________
فنقول : إنّ حقيقة الإبطال ـ بمقتضى وضع باب الإفعال ـ إحداث البطلان في العمل الصحيح وجعلة باطلا).
وحاصل معنى الآية ، هو النهي عن إبطال العمل بارتكاب المعاصي بعد كونه صحيحا ، (نظير قولك : أقمت زيدا ، أو أجلسته ، أو أغنيته) حيث يكون المعنى هو حدوث القيام أو الجلوس ، أو الغناء واتصاف زيد بها بعد أن لم يكن قائما أو جالسا أو غنيا.
(فالإبطال هنا نظير الإبطال في قوله تعالى : (لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى)) حيث يكون النهي عن إبطال الصدقات بعد كونها صحيحة.
(الثاني : أن يراد به إيجاد العمل على وجه باطل) ، أي : المعنى الثاني أن يكون المراد بالإبطال هو إيجاد العمل من الأوّل باطلا ، بأن يأتي بما يكون مشروطا بشيء بلا شرط ، كالصلاة من دون طهارة مثلا ، فيكون (من قبيل قوله : ضيّق فم الركيّة) ، أي : أحدث فم البئر من الأوّل ضيقا.
فالنهي في الآية بالمعنى الثاني يرجع إلى النهي (عن إتيان الأعمال مقارنة للوجوه المانعة عن صحّتها أو فاقدة للامور المقتضية للصحّة ، والنهي على هذين الوجهين ظاهره
__________________
(١) البقرة : ٢٦٤.
(٢) البقرة : ٢٦٢.