فإن قلت : على القول بكون الأحكام الشرعيّة تابعة للأحكام العقليّة ، فما هو مناط الحكم وموضوعه في الحكم العقلي بقبح هذا الصدق فهو المناط والموضوع في حكم الشرع بحرمته ، إذ المفروض بقاعدة التطابق ، إنّ موضوع الحرمة ومناطه هو بعينه موضوع القبح ومناطه.
____________________________________
قوله : (فإن قلت) ردّ لما أجابه عن التوهّم وهو قوله : (وهذا بخلاف الأحكام الشرعيّة).
والجواب المذكور مبني على الفرق بين الأحكام الشرعيّة والأحكام العقليّة ، فيردّ بقوله : فإن قلت ، الجواب بردّ الفرق المذكور.
وحاصل الإيراد ، هو عدم جواز الاستصحاب في الأحكام الشرعيّة المستقلّة على القول الحقّ من كون الأحكام الشرعيّة تابعة للمصالح والمفاسد الواقعيّة ، كما لا يجوز في نفس الأحكام العقليّة والأحكام الشرعيّة المستندة إليها ، وذلك لأنّ المناط في الحكم الشرعي هو بعينه مناط حكم العقل ، إلّا أنّ العقل لا يدرك تفصيلا ما هو المناط في الحكم الشرعي إلّا من طريق حكم الشرع بالتحريم أو الوجوب.
ولهذا يقال : إنّ الأحكام الشرعيّة ألطاف في الأحكام العقليّة ، وحينئذ ، كما أنّ الشكّ في الحكم العقلي أو الحكم الشرعي المستند إليه دائما يرجع إلى الشكّ في بقاء الموضوع والمناط ، كذلك الشكّ في الحكم الشرعي المستقلّ يرجع إلى الشكّ في بقاء الموضوع والمناط ، فلا فرق بينهما من هذه الجهة حتى يقال بجريان الاستصحاب في أحدهما دون الآخر ، بل لا يجوز الاستصحاب في الأحكام الشرعيّة المستقلّة ، كما لا يجوز في الأحكام العقليّة ، فما ذكر من جريان الاستصحاب في الأحكام الشرعيّة دون الأحكام العقليّة بالفرق بينهما غير صحيح.
وما ذكرناه وإن كان مخالفا لظاهر كلام المصنّف قدسسره ، إذ ظاهره عدم الفرق بين الحكم العقلي والحكم الشرعي المستند إليه في عدم جريان الاستصحاب فيهما ، إلّا أنّه مراده ، إذ مراده هو الإشكال على جريان الاستصحاب في الأحكام الشرعيّة التي لا مسرح للعقل فيها وذلك لأنّ عدم جريان الاستصحاب في الحكم الشرعي المستند إلى العقل قد تقدّم منه في صدر عنوان البحث حيث قال : (إلّا أنّ في تحقّق الاستصحاب مع ثبوت الحكم بالدليل العقلي ... تأمّلا).