وهل يجوز الاقتصار على واحد ، إذ به يندفع محذور المخالفة ، أم يجب الإتيان بما تيسّر من المحتملات؟ وجهان : من أنّ التكليف بإتيان الواقع ساقط ، فلا مقتضي لإيجاب مقدّماته العلميّة ، وإنّما وجب الإتيان بواحد فرارا من المخالفة القطعيّة ، ومن أنّ اللازم بعد الالتزام بحرمة مخالفة الواقع ، مراعاته مهما أمكن ، وعليه بناء العقلاء في أوامرهم العرفيّة ، والاكتفاء بالواحد التخييري عن الواقع ، إنّما يكون مع نصّ الشارع عليه ، وأمّا مع عدمه وفرض حكم العقل بوجوب مراعاة الواقع ، فيجب مراعاته حتى يقطع بعدم العقاب ، إمّا لحصول الواجب وإمّا لسقوطه بعدم تيسّر الفعل ، وهذا لا يحصل إلّا بعد الإتيان بما تيسّر ، وهذا هو الأقوى.
وهذا الحكم مطّرد في كلّ مورد وجد المانع من الإتيان ببعض غير معيّن من المحتملات ،
____________________________________
الموافقة القطعيّة في المحرّمات ـ تتحقّق بمجرّد الترك ـ لم تكن واجبة في الشبهة غير المحصورة الوجوبيّة بطريق أولى ؛ لأنّ فعل جميع المحتملات في كمال الصعوبة والعسر ، ومع ذلك أنّ الأولويّة المذكورة مردودة ؛ وذلك لأنّ الأولويّة القطعيّة مفقودة جزما ، والأولويّة الظنّية لم يدلّ الدليل على اعتبارها.
وكيف كان ، فما هو المتيقّن في المقام هو عدم جواز المخالفة القطعيّة ، وإنّما الكلام في جواز الاقتصار على الامتثال الاحتمالي ولو بإتيان واحد من المحتملات ، كما أشار إليه بقوله : (وهل يجوز الاقتصار على واحد ، إذ به يندفع محذور المخالفة ، أم يجب الإتيان بما تيسّر من المحتملات؟ وجهان ... إلى آخره).
الأوّل : هو الاكتفاء بالاتيان بواحد ، فرارا من المخالفة القطعيّة بعد سقوط التكليف بإتيان الواقع.
والثاني : هو الالتزام بالتبعيض في الاحتياط ، بأن يأتي ما تيسّر من المحتملات رعاية للواقع بقدر الإمكان بعد الالتزام بحرمة مخالفته ، ثمّ بقول المصنّف قدسسره بترجيح الوجه الثاني على الوجه الأوّل ؛ لأنّ الوجه الأوّل وهو الاكتفاء بالواحد التخييري عن الواقع إنّما يتمّ مع ورود نصّ من الشارع عليه ، والمفروض عدم ورود النصّ ، فيجب ـ حينئذ ـ مراعاة الواقع ؛ إمّا بإتيان الواجب أو تحصيل العلم بسقوطه بعدم تيسّر الفعل.
(وهذا الحكم مطّرد في كلّ مورد وجد المانع من الإتيان ببعض غير معيّن من