وكيف كان ، فمن المعلوم أنّ ترك ما
يحتمل التحريم ليس غير مقدور ، وإلّا لم ينازع في وقوع التكليف به أحد من المسلمين
وإن نازعت الأشاعرة في إمكانه.
نعم ، لو اريد من الموصول نفس الحكم
والتكليف كان إيتاؤه عبارة عن الإعلام به ، لكن إرادته بالخصوص تنافي مورد الآية ،
وإرادة الأعمّ منه ومن المورد تستلزم استعمال الموصول في معنيين.
____________________________________
الجامع بين الإيصال والإعطاء والإقدار ،
وبعبارة اخرى : أن يكون المراد بالإيتاء هو الإعطاء ، ولكن الإعطاء يختلف ، لأنّ
إعطاء كلّ شيء بحسبه ، فإعطاء التكليف يكون بالإيصال والإعلام ، وإعطاء المال
بالتمليك ، وإعطاء ما يصدر عن المكلّف بالإقدار ، وبهذا تشمل الآية المقام أيضا ،
وتدل على البراءة على فرض إمكان وجود الجامع بين المعاني المذكورة.
إذا عرفت هذه المقدمة يتضح لك أن الآية
يمكن الاستدلال بها على البراءة على فرض صحة الاحتمال الأول والرابع دون الاحتمال
الثاني والثالث كما لا يخفى.
ثمّ إن الظاهر منها بقرينة المورد هو
الاحتمال الثاني ، ثمّ الثالث ، ولا يمكن حملها على الاحتمال الأول والرابع ، لأنّ
الاحتمال الأول مناف لموردها ، كما أشار إليه بقوله :
(لكن إرادته بالخصوص تنافي مورد الآية).
أي : إرادة التكليف بالخصوص من الموصول
يكون منافيا لمورد الآية ، لأنّه مختصّ بالمال ، والاحتمال الرابع مستلزم لاستعمال
اللفظ الواحد في أكثر من معنى ، وهو وقد أشار إليه بقوله : (وإرادة الأعمّ منه ومن
المورد تستلزم استعمال الموصول في معنيين).
إذ لا جامع بين المال والتكليف ، وذلك
لأنّ الموصول إذا كان بمعنى التكليف كان مفعولا مطلقا للفعل ، أي : لا يكلّف الله
نفسا إلّا تكليفا ، وإذا كان بمعنى المال كان مفعولا به ، ومن الواضح عدم الجامع
بينهما لأنّ المفعول المطلق يكون من شئون الفعل ، فيكون متأخرا عنه ، والمفعول به
يكون ممّا وقع عليه الفعل ، فلا بدّ أن يكون متقدما عليه ، فلا يعقل الجامع بين
المعنيين.
وكيف كان ، فإنّ الاستدلال بالآية على
البراءة يكون مبنيّا على الاحتمال الأول والرابع اللذين لا يمكن حمل الآية عليهما.