لكنّك خبير بأنّ الأمر بالتبيّن هنا مسوق لبيان الوجوب الشرطيّ ، وأنّ التبيّن شرط للعمل بخبر الفاسق دون العادل ، فالعمل بخبر العادل غير مشروط بالتبيّن ، فيتمّ المطلوب من دون ضمّ مقدّمة خارجيّة ، وهي كون العادل أسوأ حالا من الفاسق.
والدليل على كون الأمر بالتبيّن للوجوب الشرطي لا النفسي ـ مضافا إلى أنّه المتبادر عرفا في أمثال المقام وإلى أنّ الإجماع قائم على عدم ثبوت الوجوب النفسيّ للتبيّن في خبر الفاسق ، وإنّما أوجبه من أوجبه عند إرادة العمل به ، لا مطلقا ـ هو أنّ التعليل في الآية بقوله تعالى : (أَنْ تُصِيبُوا) ، لا يصلح أن يكون تعليلا للوجوب النفسيّ ، لأنّ حاصله يرجع إلى أنّه : لئلّا تصيبوا قوما بجهالة بمقتضى العمل بخبر الفاسق فتندموا على فعلكم بعد تبيّن
____________________________________
نفسيا كالصلاة مثلا ، فحينئذ لا يتمّ الاستدلال إلّا بضمّ المقدمة الخارجية ، إذ يكون هنا أمور ثلاثة :
الأول : هو وجوب التبيّن والفحص عن الصدق والكذب.
والثاني : هو الردّ من دون التبيّن.
والثالث : هو القبول من غير الفحص.
فيقال : إنّ الأول وهو وجوب الفحص عن خبر العادل قد انتفى بمفهوم الآية.
والأمر الثاني وهو الردّ من دون التبيّن ـ أيضا ـ يكون منتفيا لاستلزامه كون العادل أسوأ حالا من الفاسق.
فيبقى الأمر الثالث ، وهو قبول خبر العادل من غير تبيّن ، وهو المطلوب.
فإثبات المطلوب موقوف على هذه المقدمة الخارجية على تقدير كون التبيّن واجبا نفسيا ، ولكن وجوب التبيّن ليس نفسيا حتى نحتاج إلى تلك المقدمة ، بل وجوبه وجوب شرطي ، أي : يكون التبيّن شرطا لجواز العمل بخبر الفاسق ؛ لأنّ التبيّن عنه مع قطع النظر عن العمل به ليس واجبا قطعا ، بل ربّما يكون محرّما ؛ لأنّ الفحص عن كون المخبر صادقا أو كاذبا من دون إرادة العمل بخبره يكون مصداقا للفحص عن عيوب الناس ، وهو محرّم شرعا ، فيكون الأمر بالتبيّن مسوقا لبيان الوجوب الشرطي.
ويدلّ عليه مضافا إلى وضوحه في نفسه لأنّه المتبادر عرفا ، ومضافا إلى الإجماع القائم على عدم الوجوب النفسي للتبيّن في خبر الفاسق. والتعليل المذكور في ذيل الآية