نعم ، الأصل الأوّلي هي حرمة العمل بالظنّ ، على ما عرفت مفصّلا. لكن الخارج منه ليس خصوص ظواهر الأخبار حتى يبقى الباقي ، بل الخارج منه هو مطلق الظهور الناشئ عن كلام كل متكلّم القي إلى غيره للإفهام ، ثم إنّ ما ذكره ـ من عدم العلم بكون الظواهر من المحكمات واحتمال كونها من المتشابهات ـ ممنوع.
أولا : بأنّ المتشابه لا يصدق على الظواهر ، لا لغة ولا عرفا ، بل يصح سلبه عنه. فالنهي الوارد عن اتباع المتشابه لا يمنع ، كما اعترف به في المقدّمة الاولى ، من أنّ مقتضى القاعدة
____________________________________
من أئمّتهم ، مع أن الأمر ليس كذلك ، إذ عملهم بظواهر السنّة كان من جهة ما هو المركوز في أنفسهم من العمل بظواهر كل كلام صادر من متكلّم إلى مخاطب ، وهذا الملاك لم يكن وجوده مختصّا بظواهر السنّة ، بل يجري في ظواهر الكتاب أيضا ، ولهذا كان أصحاب الأئمّة عاملين بظواهر الكتاب أيضا.
والإشكال الثاني : قد أشار إليه المصنّف رحمهالله بقوله :
(لكن الخارج منه ليس خصوص ظواهر الأخبار) يعني : مقتضى الأصل وإن كان حرمة العمل بالظن ، ولكن ما خرج عنه ليس خصوص ظواهر الأخبار كما زعم شارح الوافية ، (بل الخارج منه مطلق الظهور الناشئ عن كلام كل متكلّم القي إلى غيره للإفهام) بسبب اتفاق أهل اللسان على اعتبار الظواهر.
والإشكال الثالث ما ذكره المصنّف رحمهالله حيث قال : (إنّ ما ذكره ـ من عدم العلم بكون الظواهر من المحكمات واحتمال كونها من المتشابهات ـ ممنوع).
(أولا : بأن المتشابه لا يصدق على الظواهر ، لا لغة ولا عرفا) لأن المتشابه في اللغة هو غير المضبوط ، وفي العرف هو غير المتضح ، فيكون المحكم هو المضبوط والمتضح ، فيكون الظاهر من المحكم ؛ لأنّه متضح ومضبوط ، والمتشابه عند الاصوليين هو القدر المشترك بين المجمل والظاهر ؛ وهو الطرف المرجوح من الظاهر ، والمحكم عندهم هو القدر المشترك بين الظاهر والنصّ ؛ وهو الطرف الراجح من الظاهر ، وعلى جميع التقادير لا يصدق المتشابه على الظواهر ، فكيف يقول شارح الوافية بعدم العلم بكون الظواهر من المحكمات؟!.
(فالنهي الوارد عن اتباع المتشابه لا يمنع) عن العمل بالظواهر ؛ لأن الظواهر ليست من