العمل عليها ، لا وجوب إيجاد عمل على طبقها ، إذ قد لا تتضمن الأمارة إلزاما على المكلّف. فاذا تضمّنت استحباب شيء أو وجوبه تخييرا أو إباحته وجب عليه إذا أراد الفعل أن يوقعه على وجه الاستحباب أو الإباحة ، بمعنى حرمة قصد غيرهما كما لو قطع بهما ، وتلك المصلحة لا بدّ أن تكون ممّا يتدارك بها ما يفوت من مصلحة الواقع لو كان الأمر بالعمل به مع التمكن من العلم ، والّا كان تفويتا لمصلحة الواقع ، وهو قبيح ، كما عرفت في كلام ابن قبة.
فإن قلت : ما الفرق بين هذا الوجه الذي مرجعه إلى المصلحة في العمل بالأمارة وترتيب أحكام الواقع على مؤدّاها ، وبين الوجه السابق الراجع إلى كون قيام الأمارة سببا لجعل مؤدّاها على المكلف؟
____________________________________
(ومعنى إيجاب العمل على الأمارة وجوب تطبيق العمل عليها ، لا وجوب إيجاد عمل على طبقها).
ومعنى تطبيق العمل عليها : هو وجوب الالتزام بما تتضمن الأمارة عليه من الوجوب والتحريم ونحوهما ، يعني : يأتي بالفعل الواجب على وجه الوجوب ، ويترك الفعل الحرام بعد الالتزام بالتحريم ، وهكذا.
ومعنى إيجاد العمل على طبقها : وجوب إيجاد الفعل وان كان مستحبا ، ووجوب ترك الفعل وإن كان مكروها ، مع أنّ الفعل المستحبّ لا يجب الإتيان به كما أنّ المكروه لا يجب تركه ، ولذا يقول المصنّف رحمهالله : (إذ قد لا تتضمّن الأمارة الزاما) أي : حكما إلزاميا(على المكلّف) كالوجوب حتى يجب إيجاد الفعل على طبقها ، بل تتضمّن حكما غير الزامي كالاستحباب ، فلا يجب إيجاد الفعل على طبقها ، فلا بدّ أن يقال : إن معنى إيجاب العمل على الأمارة هو وجوب تطبيق العمل عليها لا إيجاد عمل على طبقها.
(فإن قلت : ما الفرق بين هذا الوجه الذي مرجعه إلى المصلحة في العمل بالأمارة وترتيب أحكام الواقع على مؤدّاها ، وبين الوجه السابق؟).
وحاصل الإشكال أن الفرق بين هذا الوجه والوجه السابق وإن كان ظاهرا في بدو النظر وذلك لاختلافهما من حيث ظرف المصلحة ، إذ يكون ظرفها في الوجه السابق هو متعلّق الحكم المستفاد من الأمارة كصلاة الجمعة مثلا ، ويكون ظرفها في هذا الوجه هو الأمر بالعمل بالأمارة أو العمل على طبقها.