وقد يقال بالتخيير مطلقا ، من جهة ما ورد من أن الجاهل في الجهر والاخفات معذور. وفيه ـ مضافا إلى أن النصّ إنّما دلّ على معذورية الجاهل بالنسبة إلى لزوم الإعادة لو خالف الواقع ، وأين هذا من تخيير الجاهل من أول الأمر بينهما ، بل الجاهل لو جهر أو
____________________________________
والتحريم ، فيكون من دوران الأمر بين المحذورين الذي يكون الحكم فيه هو التخيير ؛ لكون احتمال وجوب الاخفات مساويا لاحتمال حرمة الجهر ، فالحكم بتعيين أحدهما ترجيح بلا مرجّح ، فتكون مخيّرة بين الجهر والاخفات.
ثم هذا الحكم مبنيّ على ثبوت الإجماع على عدم وجوب تكرار الصلاة والّا فيكون مقتضى الاحتياط في أطراف العلم الإجمالي هو تكرار الصلاة بإتيانها جهرا مرّة ، واخفاتا اخرى.
(وقد يقال بالتخيير مطلقا ، من جهة ما ورد من أنّ الجاهل في الجهر والاخفات معذور فيه).
يعني : يمكن أن يقال بالتخيير مطلقا ، أي : سواء كان الاخفات رخصة أو عزيمة ، والوجه لهذا التخيير ما ورد في بعض الأخبار من أنّ الجاهل في الجهر والاخفات معذور ، ولازم ذلك هو التخيير عملا ، ثم تكون الخنثى من الجاهلين ، فتكون مخيّرة بين الجهر والاخفات.
(وفيه ـ مضافا إلى أن النصّ إنّما دلّ على معذورية الجاهل بالنسبة إلى لزوم الإعادة ... إلى آخره).
يعني : ما ورد من النصّ الدالّ على معذورية الجاهل لا يرتبط بما نحن فيه أصلا ؛ وذلك لأن النصّ دلّ على معذورية الجاهل بالنسبة إلى وجوب الإعادة ، يعني : لا يجب عليه الإعادة عند ما ينكشف كون ما أتى به على خلاف الواقع ، فبالجهل يرفع وجوب الإعادة.
وهذا بخلاف ما نحن فيه ، إذ لو كان الجهل عذرا في المقام ليرفع به وجوب كل واحد من الاخفات والجهر فيكون الجاهل مخيّرا بينهما من أول الأمر.
فما دلّ على رفع وجوب الإعادة بالجهل لكونه عذرا لا يدلّ على رفع وجوب الاخفات والجهر لكونه عذرا حتى يثبت الحكم بالتخيير.
ولهذا يقول المصنّف رحمهالله : (وأين هذا من تخيير الجاهل من أول الأمر).