المفسرين تقريباً ، ورواة الأثر ، وأساطين علوم القرآن (١).
وأما العقلي ، فالقرآن أنزل على أمي لا عهد له بالقراءة ، ليبلغه إلى أميين لا عهد لهم بالتعلم ، فكان أول طوق يجب أن يكسر ، وأول حاجز يجب أن يتجاوز. هو الجمود الفكري ، والتقوقع على الأوهام ، وما سبيل ذلك إلا الافتتاح بما يتناسب مع هذه الثورة ، وقد كان ذلك بداية للرسالة بهذه الآيات ( بسم الله الرحمن الرحيم اقرأ باسمِ ربِّكَ الذي خَلَقَ (١) خلقَ الإنسانَ من علقٍ (٢) اقرأ وربُّكَ الأكرمُ (٣) الّذي عَلَّمَ بالقلمِ (٤) عَلَّمَ الإنسانَ مَا لم يعلمْ (٥) ) (٢).
إنها الدعوة الفطرية إلى العلم والإيمان بوقت واحد ، والبداية الطبيعة لملهم هذا العلم ، ورائد وسيلة التعلم ، فهو إرهاص بإيمان سيشع ، وإشعار بإفاضات ستنتشر ، مصدرها الخالق ، وأداتها القلم ، لارتياد المجهول ، واكتشاف المكنون ، والقرآن كتاب هداية وعلم.
فلا ضير أن تكون أوائل العلق أول ما نزل ، وسياقها القرآني لا يمنع من نزولها دفعة واحدة ، لا سيما إذا وجدنا نصاً في أثر ، أو رواية من ثقة.
وأما ما حكاه ابن النقيب في مقدمة تفسيره ، وأخرجه الواحدي عن عكرمة والحسن ، والضحاك عن ابن عباس : من أن أول ما نزل من القرآن ( بسم الله الرحمن الرحيم ) (٣) فلا ريب فيه ، ولا غبار عليه : « فإنه من ضرورة نزول السورة نزول البسملة معها ، فهي أول آية نزلت على الإطلاق » (٤).
وبدأت مسيرة الوحي تلقي بثقلها على عاتق الرسول الأعظم صلىاللهعليهوآلهوسلم وفتح محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم للنداء السماوي ، ( إنّا سنلقِي عليكَ قولاً ثقيلاً (٥) ) (٥) ذراعاً وقلباً وتأريخاً. وهذا القول ثقيل بمبناه ومعناه ، فهبوطه من سماء العزة ، وساحة الكبرياء والعظمة يوحي بثقله في الميزان ، وتسييره للحياة العامة بشؤونها
__________________
(١) ظ : البخاري ، الصحيح : ١ / ٥ + الباقلاني ، نكت الانتصار : ٨٨ + الطبرسي ، مجمع البيان : ٥ / ٥١٤ + الزركشي ، البرهان : ١ / ٢٠٦ + السيوطي ، الاتقان : ١ / ٦٨ وما بعدها.
(٢) العلق : ١ ـ ٥.
(٣) السيوطي ، الاتقان : ١ / ٧١.
(٤) المصدر نفسه : ١ / ٧١.
(٥) المزمل : ٥.