وجوه القراءات
الأخرى ، كما هي الحال عند الكسائي حينما اختار من قراءة حمزة وقراءة من سواه ، وأسس
لنفسه بذلك اختياراً .
قال ابن النديم : « وكان الكسائي من
قراء مدينة السلام ، وكان أولاً يقرأ الناس بقراءة حمزة ، ثم اختار لنفسه قراءة ، فاقرأ
بها الناس » .
وقد كان لأبي عمرو بن العلاء اختيار من
قراءة ابن كثير ، وهو شيخه ، ومن قراءة غيره ، وأسس بذلك لنفسه قراءة تنسب إليه .
وقد شجعت ظاهرة الاختيار في القراءة على
القضاء على النزعة الإقليمية التي انتشرت في نسبه القراءات للأمصار ، إذا امتزجت
هذه القراءات في الأغلب نتيجة للاختيار ، فتداخلت قراءة أهل المدينة بقراءة أهل
الكوفة ، وقراءة الشام بقراءة العراق ، فلم تعد القراءة فيما بعد إقليمية المظهر ،
بقدر ما هي علمية المصدر ، وفي هذا الضوء وجدنا القراء السبعة يمثلون خلاصة
التجارب الماضية للقرنين الأول والثاني في العطاء العلمي المشترك بين الأقاليم ، لما
في ظاهرة الاختيار لدى أئمة الأقراء من عناصر مختلف القراءات ، حتى وحدت ونسبت
منفردة إلى عاصم ، أو نافع ، أو الكسائي ، وهي عصارة قراءة لمصرين ، أو قراءات
لأمصار ، تتفق مع قراءة بوجه ، وتختلف مع قراءة بوجه آخر ، وتجمع بين هذين بما ألف
قراءة منظورة متميزة ، تعني تجارب السابقين ، وعطاء المتخصصين. حتى وقف الاختيار
على أعتاب القرن الرابع ، حيث بدأ ابن مجاهد في حفظ القراءات والاختيارات ، دون
التفكير بتجديد ظاهرة الاختيار التي لم تعد من هموم هؤلاء الأعلام أمثال ابن مجاهد
، بل اتجهت هممهم إلى صيانة تلك القراءات ، لا إلى الاختيار.
فقد روى الذهبي عن عبد الواحد بن عمر بن
أبي هاشم ، وهو تلميذ ابن مجاهد ، قال :
« سأل رجل ابن مجاهد ، لم لا يختار
الشيخ لنفسه حرفاً يحمل عليه ؟
__________________