إعدادات

في هذا القسم، يمكنك تغيير طريقة عرض الكتاب
بسم الله الرحمن الرحيم

تأريخ القرآن

تأريخ القرآنتأريخ القرآن

تأريخ القرآن

تحمیل

تأريخ القرآن

106/191
*

ومما لا شك فيه أن الاختلاف في جملة القراءات كان في الأقل ، وأن الاتفاق كان في الأعم الأكثر ، والنظر في المصاحف الأولى تجد يؤيد الاختلاف في قلة معدودة من الكلمات ، نطقا وإمالة وحركات ، وقد جمعت في كتاب المباني محدودة : « اختلف مصحفاً أهل المدينة والعراق في إثنى عشر حرفاً ، ومصحفاً أهل الشام وأهل العراق في نحو أربعين حرفاً ، ومصحفاً أهل الكوفة والبصرة في خمسة حروف » (١).

فإذا كان بعض الخلاف في القراءات مصدره اختلاف مصاحف الأمصار ، فالاختلافات ضيقة النطاق ، وتظل القضية قضية تأريخية فحسب ، إذ القرآن المعاصر الذي أجمع عليه العالم الإسلامي ـ وهو ذات القرآن الذي نزل به الوحي على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ مرقوم برواية حفص لقراءة عاصم بن أبي النجود الكوفي ، باستثناء المغرب العربي الذي اعتمد قراءة نافع المدني برواية ورش.

وتبقى المسألة بعد هذا أثرية العطاء ، نعم قد تبدو الهوة سحيقة فيما يدعى من خلافات لا طائل معها ، ولكن النظرة العلمية الفاحصة تخفف من حدتها ، فما من شك أن عاملاً متشابكاً وراء تلك الخطوط المتناثرة هنا وهناك ، ذلك هو المناخ الإقليمي السائد آنذاك في الأفق العلمي ، فهو مما يجب الوقوف عنده ، ألا وهو النزاع القائم بين مدرستي الكوفة والبصرة ، وما نشأ عنه من تعصب إقليمي حيناً ، واختلاف تقليدي حيناً آخر ، ومزيج من هذا وذاك بعض الأحايين ، فدرج جيل يصوب رأي الكوفيين ، وآخر يؤيد نظر البصريين ، مما طبع أثره على جملة من شؤون التراث ، والقراءات جزء من ذلك التراث ، وأفرغ كثيراً من الإسراف في التجريح والتعديل ، فعاد صراعا عشوائياً يوثق به الضعفاء ، ويضعف به الثقات في كثير من المظاهر ، وقد لا يكون لكل ذلك أصل ، فطالما حمل البصريون أو من شايعهم على الكوفيين وبالعكس ، وطالما تعصب لمذهب من القراءة جيل من الناس ، وجانب قراءة جيل آخر ، دون العودة إلى قاعدة متأصلة.

وهذا الملحظ الدقيق جدير بالتمحيص والترصد بغية الوصول إلى

__________________

(١) المصدر نفسه : ١١٧.