.................................................................................................
______________________________________________________
إن قلت : أفلا
يكون مقتضى التوحيد والاعتراف بوحدانية الخالق ، هو الالتزام بأنّ ما يحصل في
الكون ـ ومنها أفعال العباد ـ مخلوقة لله (سبحانه) ، لئلّا يكون مؤثّرا في الوجود
وخالقا للكون إلّا هو وإنّما يصحّ العقاب حينئذ على فعل العبد ، فلأجل أنّ الفعل
في الحقيقة وإن كان بإرادة الله ، إلّا أنّ الله تعالى يريد فعل العبد ، إذا
تعلّقت إرادة العبد به ، فيكون المؤثّر في ذلك إرادة الله ، والعبد أيضا أراد
تحقيقه وإيجاده ، ولكن إرادته لا تؤثّر في الواقع شيئا ، ويعبّر عن إرادة العبد
كذلك بالكسب ، فيكون العقاب على كسب العبد ، وإن شئت فلاحظ من أراد رفع حجر عن
مكان ، باعتقاد أنّه متمكّن من رفعه ، ولكن عند تصدّيه للرفع يظهر عدم تمكّنه منه
، فيضع شخص آخر أقوى منه يده تحت ذلك الحجر ويرفعه ، فارتفاع الحجر عن مكانه يكون
برفع هذا الشخص الثاني خاصّة ، ويستند الرفع إليه دون الأوّل ، إلّا أنّ سبب رفع
الثاني للحجر هو تعلّق إرادة الأوّل برفعه ، ولأجله لا مانع من إسناد الرفع إلى
المريد خاصّة.
قلت : إنّ ما ذكر
لا في تصحيح العقاب يجدي ولا في التحفّظ على وحدة الخالق والمؤثّر في الكون ومنه
أفعال العباد.
أمّا الأوّل ؛
فلأنّه لا يصحّ عند العقل أن يذمّ رافع الحجر حقيقة ، مريد الرفع خاصّة ويوبّخه
على الرفع ؛ لأنّه لم يرفعه ، بل أراد رفعه فحسب ، فالتوبيخ والذمّ يرد على رافع
الحجر حقيقة الذي هو الشخص الثاني. نعم يصحّ توبيخ الأوّل على إرادة الرفع لا على
نفس الرفع ، وإذا فرض أنّ إرادته أيضا فعل مخلوق يكون المؤثّر فيه إرادة الله (سبحانه)
فلا يصحّ عقابه ولا توبيخه على الإرادة المخلوقة ، وإن قيل بأنّ إرادة المريد
ناشئة عن مباديها ، ومباديها ناشئة عن خبث السريرة والشقاوة الذاتيّة